منشور من البطرير كية بمناسبة الصوم المقدس منقول

كل ما يتعلق بالدين المسيحي من مواضيع لاهوتية، إيمان، صلاة ..الخ
أضف رد جديد
georgette hardo
قنشريني فعال
مشاركات: 57
اشترك في: الثلاثاء فبراير 24, 2009 10:18 pm

منشور من البطرير كية بمناسبة الصوم المقدس منقول

مشاركة بواسطة georgette hardo » الأحد فبراير 14, 2010 9:44 pm

الصـــوم المقـــدس
«قدسوا صوماً، نادوا باعتكاف» (سفر نبوءة يوئيل1: 14)

نُهدي البركة الرسولية والأدعية الخيريَّة إلى إخوتنا الأجلاء صاحب الغبطة مار باسيليوس توماس الأول مفريان الهند، وأصحاب النيافة المطارنة الجزيل وقارهم، وحضرات أبنائنا الروحيين نواب الأبرشيات والخوارنة والرهبان والقسوس والراهبات والشمامسة الموقّرين والشماسات الفاضلات، ولفيف أفراد شعبنا السرياني الأرثوذكسي المكرّمين، شملتهم العناية الربّانية بشفاعة السيدة العذراء مريم والدة الإله ومار بطرس هامة الرسل وسائر الشهداء والقديسين، آمين.

بعد تفقّد خواطركم العزيزة، وإهدائكم البركة الرسولية والأدعية الخيرية، نقول:

ها إنَّ الصوم الأربعيني المقدس قد أقبل موعده علينا، وهو الفرصة الذهبية الثمينة التي تتيحها لنا أمنا الكنيسة المقدسة لننتهزها، ونفحص خلالها نفوسنا، فنتجنّب الرذائل، ونتمسّك بالفضائل، ونعود إلى اللـه تائبين «فهوذا الآن وقتٌ مقبول، هوذا الآن يوم خلاص»(2كو6: 2). وكما يدرّبُ النسر فراخه على التحليق في الجو عالياً، هكذا تفعل الكنيسة المقدسة بتدريب المؤمنين على التحليق في الأجواء الروحية، موفِّرةً لهم وسائل النعمة للتحرّر من قوة جاذبية الأرض والأرضيات التي تشدّهم إليها، وتسعى الكنيسة أيضاً إلى تخطِّي معوقات الحياة الروحية ليتقدَّم المؤمنون في حياة الفضيلة، ويَبْلغوا ذروةَ الكمال الإنجيلي، بكبحِ جِماح الأهواء الجسدية المنحطّة، والعمل «لا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة الأبدية»(يو6: 7) فيمتنعوا خلال أيام الصوم المقدس عن تناول الغذاء لمدة معيّنة، وتناول بعض الأطعمة الصيامية الخفيفة اختياراً، وبذلك تتأجَّجُ في قلوبهم جذوةَ القداسة، وينتقلون من قوةٍ إلى قوة بإخضاع إرادة الجسد للروح «لأنَّ الجسد يشتهي ضدَّ الروح، والروح ضد الجسد، وهذان يقاوم أحدهما الآخر حتى تفعلون ما لا تريدون»(غل5: 17) على حدِّ قول الرسول بولس. فبالصوم يتمكَّن المؤمنون من تجنّب شهوات الجسد ويفعلون الصلاح الذي يريدونه.
أجل، إن الصوم وَضعٌ إلهي، فُرضَ أولاً على أبوينا الأولين كوصية أولى، ولما كسراها سقطا في الخطية واستحقا الموتَ بأنواعه، وبعد أن كان الإنسان قريباً من اللـه أبعد عنه بل اختبأ من أمام وجهه تعالى، ولم يقدر أن يراه (تك3: 8) لأنّه عصى أمره الإلهي ولم يتمسَّك بالصوم الذي فُرض عليه.
وفي ميدان إرضاء اللـه تعالى مارس الآباء والأنبياء أصواماً، وقد أمر اللـه النبي موسى أن يقدِّس نفسه بالصوم ويقدِّس الشعب أيضاً معه قبل أن يدنو من جبل سيناء ليتسلّم الوصايا (خر19: 1ـ 25) فصام موسى أربعين نهاراً وأربعين ليلة(خر34: 28) فوجد نعمة لدى اللـه واستحقَّ أن يرى مجده تعالى (خر33: 13 و18) وأنزل الشريعة للشعب. وصام النبي إيليا أربعين نهاراً وأربعين ليلة (1مل19: 8) وقد انتصر على كهنة البعل، وَجَذبَ الشعب إلى الشريعة، واستحقَّ أن يصعد إلى السماء بمركبة نارية.

وصام دانيال النبي ثلاثة أٍسابيع، لم يأكل فيها لحماً ولم يشرب خمراً (دا10: 2)، فسدّ أفواه الأسود فلم تؤذه. وصام أهل نينوى مع أطفالهم وماشيتهم (يون3: 7) فَقَبل الرب توبتهم، وَنَجتْ مدينتهم من الدمار.

فالآباء الأولون والأنبياء الصالحون مارسوا فريضةَ الصوم إرضاءً للـه تعالى وتجنّباً للمحارم والمآثم خاصةً في أوقات الشدّة وزمن التجربة.
أما ربنا يسوع المسيح فقد أوجب علينا الصوم، وعلَّمنا إياه عمليّاً بصومه عنَّا أربعين نهاراً وأربعين ليلة، وجاع أخيراً، (مت4: 2) وجرَّبه إبليس، فَظَفَر بإبليس، وأعطانا سرَّ الغلبة على إبليس وجنده بقوله: «أما هذا الجنس فلا يخرجُ إلا بالصلاة والصوم»
(مت17: 21) ولما سُئِل عن علّة اهمال تلاميذه الصوم ـ حسب ادعاء أعدائهم عليهم ـ تضمّن جوابه وجوبَ الصوم على التلاميذ بعد صعوده إلى السماء حيث قال: «حين يرفع العريس عنهم فحينئذٍ يصومون»(مت9: 16). ووصفَ في موضعٍ آخر كيفيّةَ الصوم النقي المقبول لديه تعالى بقوله: «ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين»(مت6: 16).
ونستدل من سفر أعمال الرسل على أنّ تلاميذ الرب يسوع كانوا يلتزمون بالأصوام وخاصةً عند انتخاب الرعاة، وفي اشتداد الاضطهادات ووقوع الملمَّات كالحروب والأوبئة. وكان الرسول بولس يصوم أصواماً متتالية (2كو6: 5 و11: 27
وأع27: 33).

وقد فَرض الرسل الصوم على المؤمنين، فأخذته الكنيسة عنهم ورتّبت سائر الأصوام. وأثبت التاريخ الكنسي أن المسيحيين منذ فجر النصرانية كانوا يصومون الصوم الأربعيني المقدس وأسبوع الآلام ويومي الأربعاء والجمعة من كل أسبوع وحَكَمت القوانيين الكنسيّة بالعقاب الصارم على ذوي الدرجات الكهنوتية وسائر المؤمنين الذين يكسرون وصية الصوم، ويُعفى منه الشيوخ، والأطفال، والرضّع، والمرضى، والمرضعات، والمرأة النافس، والحامل. وإعفاء هؤلاء المؤمنين من الصوم ليس عن ترفٍ بل عن ضرورة. ويستثنى من الصوم الانقطاعي يوما السبت والأحد، ففيهما يُحتفل بالقداس الإلهي وبعد القداس يتناول الصائم طعاماً صيامياً. وتقديساً ليوم الأحد لا تبدأ كنيستنا السريانية المقدسة أي صوم من الأصوام فيه، فإذا صادف ذلك فإكراماً ليوم الرب، نبدأ الصوم صباح يوم الإثنين، وينقص بذلك عدد أيام ذلك الصوم في تلك السنة يوماً واحداً.

إن الكنيسة المقدسة لا تبغي بتخصيص أيام للصوم، تمنع فيها تناول هذا الطعام أو ذاك، كون هذا الطعام محرّماً وذاك محللاً، في هذا اليوم أو ذاك. بل تهدف بذلك إلى إخضاع إرادة المؤمن للـه تعالى بالعفّة وممارسة الفضائل السامية، وخاصةً فضيلة الطاعة لأوامر اللـه التي تصدر على لسان عبيده أحبار الكنيسة الذين منحهم له المجد سلطان الحلّ والربط ليشرّعوا القوانين، ويضعوا الأحكام والنظم لما فيه خير المؤمنين ولتمجيد اسم اللـه القدوس. وحيث أنَّ الكنيسة هي أم رؤوم، ومعلمة صالحة، لا تحمّل المؤمنين أعباء ثقيلةً لا يستطيعون إلى حملها سبيلاً، متذكرةً قول الرب: «ويلٌ لكم أنتم أيها الناموسيون لأنّكم تُحمِّلون الناس أحمالاً عَسِرَة الحمل وأنتم لا تَمَسُّون الأحمال بإحدى أصابعكم»(لو 11: 46) فمِن هذا المنطلق فسّحَ الطيب الذكر البطريرك الياس الثالث (1932+) في أكل السمك في أيام الصوم الأربعيني، وسمح لأبناء الكنيسة في أميركا أن يصوموا الأسبوعين الأول والأخير فقط من الصوم الأربعيني بالإضافة إلى أيام الأربعاء والجمعة. وفسّح لهم في الإفطار بقية أيامه. وفسّح الطيب الذكر البطريرك أفرام الأول برصوم (1957+) في مثل هذا إجابة إلى ملتمس الكنيسة في الهند فضلاً عن تخفيفه الأصوام الأخرى للجميع وذلك عام 1946م وسمحَ الطيب الذكر البطريرك يعقوب الثالث (1980+) بصوم الأسبوعين الأول والأخير من الصوم الأربعيني فقط بالإضافة إلى أيام الأربعاء والجمعة للإكليروس والشعب، وفسّح لهم في استعمال جميع الأطعمة في بقية أيامه وذلك عام 1965، كما فسّح في إقامة الولائم والأعراس والعماد والقداس والتذكارات في جميع الأيام التي تتوسّط الأسبوعين المذكورين. ويأتي تفسيح أسلافنا البطاركة الميامين، للمؤمنين بتقليل أيام الصوم الأربعيني، من باب الرحمة بهم لئلا يكسروا الوصية ويكونوا موضعَ غضب اللـه تعالى ـ لا سمح اللـه ـ فمن استغلَّ هذا التفسيح لا يخطئ ويعتبر في عداد مَن لم يكسر الوصية. أمّا من صام أيام الصوم الأربعيني وأسبوع الآلام كلها فيضاعف اللـه له الأجر.

فما أحرانا أيها الأحباء أن نقتدي بآبائنا الأبرار، والكتاب المقدس يوصينا قائلاً: «انظروا إلى نهاية سيرتهم فتمثلوا بإيمانهم»(عب13: 7) خاصةً ونحن نحيا في فترة من الزمن عصيبة تكاد خلالها جذوة الإيمان تخمد في قلوبنا، وقد بردت المحبّة في أفئدتنا، وتقاعسنا عن القيام بفروض الصوم والصلاة، وانهمكنا بمحبة المادة، وأهملنا الصدقات وتمَّ فينا ما قيل عن غير المؤمنين من أنّ «إلههم بطونهم ومجدهم في خزيهم»(في 3: 19) الأمر الذي يقرع لنا ناقوس الخطر، خطر الابتعاد عن اللـه.

فلنسمع الرب على لسان النبي يوئيل قائلاً: «قدسوا صوماً نادوا باعتكاف... مزِّقوا قلوبكم لا ثيابكم»(يوئيل1: 14 و2: 13) ولنصم صوماً مقبولاً لا عن الطعام والشراب فحسب بل عن الشر والآثام، لتصمْ أفكارنا عن التصورات الردئية، وألسنتنا عن الكلام الباطل، وأجسادنا عن الشهوات القبيحة، ولتخضع إرادتنا للـه تعالى، ليكون صومنا مقبولاً لديه تعالى كقول نبيِّه إشعيا: «أليس هذا صوماً اختاره، حلَّ قيود الشر، فكّ عقد النير وإطلاق المسحوقين أحراراً... أليس أن تَكسِرَ للجائع خبزك وأن تدخل المساكين التائهين إلى بيتك...، حينئذ تدعو فيجيب الرب، وتستغيث فيقول هاأنذا»
(أش58: 6ـ 12).

ليتقبّل الرب الإله صومكم وصلواتكم وصدقاتكم وتوبتكم، ويؤهِّلكم لتبتهجوا بعيد قيامته المقدس ببهجةٍ وسرور وصحةٍ تامة، ويرحم أمواتكم المؤمنين، بشفاعة السيدة القديسة العذراء مريم والدة الإله ومار بطرس هامة الرسل وسائر الشهداء والقديسين، وكل عام وأنتم بخير.

صدر عن قلايتنا البطريركية في دمشق ـ سوريا
في الخامس والعشرين من شهر كانون الثاني سنة ألفين وعشرة
وهي السنة الثلاثون لبطريركيتنا

:hands: :hands: :hands:



جميع الحقوق محفوظة © 2005-2010 الموقع الرسمي لبطريركية أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس

أضف رد جديد