قال لي الرجل إنّ اسمه الضمير، وإنّ عليّ أن أتابع المسير، لأنّي لا أستطيع أن أعود أدراجي.
نظرتُ خلفي فرأيتُ هوّةً تفصلني عن الطريق الّذي قطعته. إنّها تمنعني من العودة إلى الماضي، إلى أيّام الشجر الفتيّ غير المثمر. كان ماضيّ يلوح لي من بعيدٍ بوجهه العاتم المشرق.
قال لي الضمير إنّني أمام اختيار. فلو بقيتُ مكاني فنيتُ. وإنّه سيرافقني أينما سرتُ ومهما اخترتُ.
اخترتُ أن أسير في الطريقين. أجل. كان حلمًا غريبًا. أنقسمتُ إلى اثنين، كلّ قسمٍ سلك طريقًا. والعجيب في الأمر، أنّ الضمير لم ينقسم، بل رافقني في كلا الطريقين.
وسلك قسميَ الأوّل الطريق السهل نشطًا، يقطف من الثمر ما لذّ له وطاب. لكنّه لم يشعر بالشبع، بل ظلّ يتضوّر جوعًا ويتألّم. وشيئًا فشيئًا، عافت نفسي الثمر القريب السهل المنال، وصرتُ أشتهي البعيد العالي. ظننتُ أنّه سيشبع جوعي، ولكن هيهات. استعملتُ جميع الوسائل لبلوغه. رميتُه بالحجارة تارةً، وكسرتُ أغصانه تارةً أخرى. وإذا صادفتُ كلبًا يحرس شجرةً، ضربتُه ليهرب وأستولي على ما يحرسه، على الرغم من وجود أشجارٍ كثيرةٍ من الصنف نفسه دون حراسةٍ ولا مراقبة. وفي بعض الأحيان، كنتُ أصادف مَن يعرض عليّ ثمرًا مقابل أعمالٍ دنيئةٍ تخالف مبادئي ومعتقداتي الّتي تربّيتُ عليها، أو الّتي سمعتها يومًا فاقتنعتُ بصوابها. فأرضى بفعل تلك الأمور المشينة في سبيل الحصول على ثمرةٍ أو اثنتين، ولم أشبع. صرتُ أكتنز لحمًا وشحمًا، وضميري يذوي ويضمر وكأنّه أصيب بداءٍ لا دواء له.
وسلك قسمي الثاني الطريق الضيّق الصعب بتؤدة، والأشواك تجرّحه. لم أشتهِ ثمرًا كثيرًا، بل اكتفيتُ بما تطوله يدي. وحين آكل ممّا جنيتُه بعد عناء، أشعر بنشوةٍ عارمةٍ وفرحٍ عظيمٍ ورضى. فأتشجّع وأتابع المسير. كنتُ أصادف مَن لا يقدّمون لي ثمرًا، بل يكتفون بشرح كيفيّة الحصول عليه، وما هو أنسَبه لي، ولا يطلبون شيئًا مقابل ذلك. وحين أعمل بنصائحهم، أحصل على ما أريده، وأشبع من اليسير الّذي أجنيه. كنتُ أزداد شدّةً وصلابةً، وضميري يكبر وينمو.
كان قسمايَ يلتقيان من حينٍ إلى آخر، فيتعجّب واحدهما من تغيّر قرينه، وكلٍّ منهما يخشى أن يترك طريقه ليسلك في الدرب الثاني. الواحد يخاف على بدانته، والآخر على صلابته.
وفجأةً، تغيّر الحلم. بدأ واحدٌ آخر يشبهه. لم أرَ نفسي على الطريقين بل غيري. حشودٌ تسير بكامل كيانها في الطريق العريض، وأخرى أقلّ منها في الطريق الضيّق المغطّى بالأشواك. وكثيرون منقسمون بين الأوّل والثاني، والأرض تختفي وراءهم إلى الأبد. سألتهم إلى أين المسير، فأجابوني بصوتٍ واحدٍ، وكأنّما اتّفقوا على الإجابة قبلاً: "نحن نسير إلى المجد". نظرتُ إلى الأمام، فرأيتُ الطريقين يبتعدان عن بعضهما بعضًا، ولا وسيلة لمَن سلك واحدهما أن ينتقل إلى الآخر إلاّ بصعوبةٍ بالغة. كان ذلك في الأفق البعيد. وفي الأفق البعيد، بدأ الطريق العريض يفقد بهاءه وأشجاره، ويمرّ في صحراء قاحلة لا ماء فيها ولا ثمر، والسائرون عليه يتساقطون كالدمى الّتي أصابتها كرةٌ طائشة. بينما الطريق الآخر يبلغ جنائن غزيرة المياه ووارفة الظلال. في الأفق البعيد، سيعي المرء أنّ الطريقين لا يؤدّيان إلى المجد نفسه
عجبتني وحبت انزلهاا في المنتدي
منقوووووووووول
مع تحياتي لكم
