تاريخنا المشترك.....

خاص بكل ما يتعلق بالسريان والسريانية
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
اشوري
قنشريني فعال
مشاركات: 286
اشترك في: الجمعة يونيو 20, 2008 10:02 am
مكان: العراق _اربيل_عينكاوا

تاريخنا المشترك.....

مشاركة بواسطة اشوري » الأربعاء أغسطس 06, 2008 12:59 pm

لا يخفي على اي باحث او دارس اختلاف وتناقض الفرضيات التي تحاول البحث في اصل شعب بيث نهرين ، فهناك الفرضيات العربية التي تقول ان اصلهم كان من الجزيرة العربية ، وفرضية اخرى تقول ان اصلهم كان من شمال افريقيا ، وفرضية ثالثة تقول ان اصلهم من اعالي الجبال الشمالية الشرقية لبلاد الرافدين .
ولكن مهما يكن اصل هذه الفرضيات وصحتها فهي ليست مدار بحثنا الآن ، فقد دلت الحفريات والمكتشفات الأثرية ان هذا الشعب تواجد في بيث نهرين منذ الألف السادسة قبل الميلاد ، لذا فان وجوده في هذه الأرض هو قبل التاريخ المدون ، وليس هناك من يستطيع واقله حتى الآن ان يحدد( اصل ومكان قدومه ، لأنه وجد في هذه الأرض قبل وجود التاريخ ، ويبقى كل ما قيل عن اصله مجرد تكهنات من قبل البحاثة ، وهي في معظمها متضاربة كما لاحظنا منذ البداية .
وكان من الطبيعي ان تستقر كل قبيلة او اسرة في منطقة ما من بلاد ما بين النهرين حسبما تتطلب حاجاتها ، فقسم منهم سكن في منطقة تدعى سومر وعرفوا بعدئذ بالسومريين ، واخرون سكنوا منطقة اكاد وعرفوا بعدئذ بالأكاديين ، وقسم ثالث بنى له مدينة وسماها بوابة الإله ( باب ايلو) بابل، وسمي بالبابلي، واخرون سكنوا المناطق الشمالية وبنوا مدينة على اسم إلههم ( اشور ) وعرفوا بالآشوريين ، وهناك قسم اخر صعد الجبال وسكن المناطق المرتفعة وعرف بساكني المناطق المرتفعة وسمي بالآراميين وذلك في الفترات المتاخرة من العهد البابلي القديم .
هذه هي المناطق الرئيسية التي قطن فيها سكان بيث نهرين والتي عرف بها سكانها ، وكان من الطبيعي ان يستاثر القوي باكبر كمية ممكنة من الخيرات في مجتمع لا يوده القانون ولا الأعراف الإجتماعية ، فكانت السلطة والسيادة للقوة وحدها ، وقد تمكن سكان سومر (السومريين ) في البداية من تنظيم انفسهم وخلق قوة عسكرية تمكنوا بواسطتها من السيطرة على باقي مناطق ما بين النهرين فسميت المناطق التي سيطروا عليها بالكامل بلاد سومر اي ان التسمية تعدت نطاق المنطقة التي تدعى سومر وشملت كل المناطق التي خضعت سياسيا لحكام سومر ، بينما التسمية ضمن دولة سومر كانت كما هي عليه في الماضي ، فكانت هناك منطقة تدعى اكاد ، ومنطقة تدعى بابل ، واخرى تدعى اشور ، وساكني الجبال ، وكان يدعى كل شعب من شعوب هذه المناطق بتسميته الأولى ، او كل قبيلة باسمها الأول ، فكان هناك السومريين والأكاديين ، والبابليين والآشوريين والآراميين كقبائل تسمى باسم المناطق التي تسكنها ، فعندما كان ينتقل فرد من سومر إلى اشور كان يعرف بالسومري ، وبالعكس يسمى بالآشوري ، ولكن كان يعرف كل من البابلي والآشوري والآرامي خارج بيث نهرين ( بالسومريين ) نسبة للسلطة السياسية المسيطرة ، وهذا منطق العالم حتى اليوم ، فضمن الدولة الواحدة هناك تسميات اقليمية يعرف بها الشعب ، فشعبنا في طور عابدين مثلا ، يعرف باسم المناطق التي يسكنها ، فيقال مثلا : هذا امدي وذاك مدياتي والآخر عين وردي ... الخ ، إلا انهم بالاجماع يعرفون بساكني الجبال ( طوروية ) وكذلك شعبنا في العراق فيقال : هذا حكاري والثاني بازكا والآخر جلوايا ، وتخومايا ... الخ .
ومن الطبيعي ان تتفاعل القبائل المتواجدة في بيث نهرين فيما بينها اجتماعيا وبشريا وحضاريا ، وبحكم خضوعهم لسلطة سياسية واحدة ونظام اجتماعي واحد متكامل ، وامتثالهم لتراث وفن مشترك وعادات وتقاليد متكاملة ، بالاضافة الى اللغة المشتركة التي كانت سائدة بين العامة ولو بلهجات مختلفة .
كان لنشوب الخلافات بين افراد الأسرة الحاكمة في سومر الدور الكبير في سقوط السلطة السومرية وانتقال الحكم للأكاديين اللذين كانوا مهياين اكثر من غيرهم لإستلام السلطة في بيث نهرين من السومريين في عام ( 2900) قبل الميلاد تقريبا تحت زعامة سركون الآكادي .
جاء في كتاب الحضارات ول ديورانت : ( انقضى عهد السومريين ولكن حضارتهم لم يقضى عليها فقد ظلت سومر واكاد تخرجان صناعا، وشعراء ، وفنانين وحكماء ، ورجال دين ، وانتقلت حضارة المدن الجنوبية إلى الشمال على طول مجرى الفرات ودجلة حتى وصلت إلى بلاد بابل واشور ، وكانت هي التراث الأول لحضارة الجزيرة ) .
وجاء في كتاب مغامرة العقل الأولى لفراس السواح ما يلي : ( اقام الاكاديون الساميون الى جانب جيرانهم السومريين ردحا طويلا من الزمن وما لبثوا ان استوعبوهم ، وبسطوا سلطانهم السياسي والثقافي على بلاد الرافدين ، في امبراطورية بلغت اوجها في عهد الملك الكبير حمورابي ، وإذا كان السومريون قد وضعوا بذرة الثقافة في وادي الرافدين ، فان الأكاديين هم الذين استنبتوها لتعطي اكلها) ولم يكن تعاقب الشعوب السامية الأخرى على الهيمنة السياسية في وادي الرافدين ( كالآكاديين والآشوريين ) إلا تنويعا على ارضية واحدة مشتركة .
وسع سركون الآكادي حدود دولته حتى وصل البحر الأبيض المتوسط والجبال العالية على حدود ارمينيا ، وقد خلق سركون الآكادي سلطة قويةانتجت حضارة وفن راقيين بالنسبة للفترة الزمنية التي سيطرت فيها السلطة الآكادية .
وهنا لا بد من التوضيح بان الحضارة الاكادية التي تلت الحضارة السومرية لم تكن شيئا مغايرا ، فقد كانت هذه الحضارة مستمدة من الحضارة السومرية وذلك للفترة الزمنية الطويلة التي عاشها الأكاديون تحت حكم السومريون ، فكتبوا لغتهم السامية بالحروف المسمارية ، كذلك اقتبسوا كثيرا من فنونهم مع بعض التطوير .
في هذا الأثناء لم يكن هناك حدود فاصلة بين مقاطعات بيث نهرين ، بل كان التنقل والارتحال قائما على قدم وساق بين جميع افراد القبائل .
بعد وفاة سركون الأكادي تتالى على السلطة ملوك ضعاف في اكاد وهي فترة عدم الاستقرار التي مرت بها بيث نهرين وكانت السلطة تنتقل بشكل متتالي بين سومر واكاد ، وعرفت هذه الفترة بالعهد السومري الآكادي ، وبقيت الأمور بين اخذ ورد ، وفي هذه الأثناء تمكن الكاشيون من دخول بيث نهرين وحكموها مدة من الزمن وبعدها استلم اورنامو السلطة وتمكن من طرد الكاشيون من البلاد التي كانت تعاني من الفوضى والبلبلة ، ثم سن القوانين واقام المشاريع العمرانية في البلاد وازدهرت بيث نهرين في هذه الفترة التي تسمى بسلالة اور الثالثة .
اما اورنامو فهو من اعظم ملوك اور حيث هيئ لها حياة امنة مطمئنة وسن القوانين المعدة من اقدم ما هو معروف بين الشرائع في العالم ، حيث سبق حمورابي البابلي في شريعته المشهورة على هذه القوانين .
ثم مرت البلاد بفترة ركود وخمول حتى جاء الأمير المثقف حمورابي البابلي ( 1750 ) قبل الميلاد حيث تمكن من استلام السلطة في بيث نهرين .
اما بابل فمن حيث تاريخها وجنس اهلها فكانت نتيجة امتزاج الأكاديين والسومريين ، فقد نشئ الجنس البابلي من تزاوج هاتين السلالتين وكانت الغلبة في السلالة الجديدة للأصل السامي الأكادي ، فقد انتهت الحروب التي نشبت بينهما بانتصاد اكاد وتاسيس مدينة بابل .
في معرض حديثه عن حمورابي وشريعته ، نقتطف مما جاء في قصة الحضارة لـ ول ديورانت حيث قال : ( .. وتطل علينا في بداية هذا التاريخ شخصية قوية هي شخصية حمورابي الفاتح المشترع الذي دام حكمه ثلاثة واربعون عاما . ان هذه القوانين البالغة عددها ( 282 ) قانونا ، والتي رتبت ترتيبا يكاد يكون هو الترتيب العالمي الحديث ، فقسمت الى قوانين خاصة بالاملاك العقارية ، وبالتجارة ، والصناعة وبالاسرة ، وبالاضرار الجسيمة وبالعمل ) ويضيف ( وهي من وجوه عدة لا تقل رقيا عن شريعة اي دولة اوربية حديثة ، وقل ان يجد الانسان في التاريخ ، تاريخ الشرائع كله الفاظا ارق واجمل من الالفاظ التي يختتم بها البابلي العظيم شريعته ) .

اما عن بابل فيقول :( ما من احد ينظر الآن إلى موقع مدينة بابل القديمة ثم يخطر بباله ان هذه البطاح الموحشة ذات الحر اللآفح الممتدة على نهر الفرات كانت من قبل موطن حضارة غنية قوية كادت تكون هي الخالقة لعلم الفلك وكان لها فضل كبير في تقدم الطب وانشات علم اللغة ، واعدت اول كتب القانون الكبرى ، وعلمت اليونان مبادئ الحساب ، وعلم الطبيعة والفلسفة ، وامدت اليهود بالأساطير القديمة التي اورثوها للعالم ، ونقلت إلى العرب بعض المعارف العلمية والمعمارية التي ايقظوا بها روح اوربا من سباتها في العصر الوسيط ) .
وعندما تمكن حمورابي من استلام السلطة في بيث نهرين ، بنى قاعدته الاقتصادية والحضارية على ما خلفته سومر واكاد ، وقد تمكن حمورابي بفترة حكمه الطويلة وذكائه الحاد من تحويل مملكته إلى قلعة حصينة في وجه الأعداء ، وقد استغرق سنوات طويلة في تشييد المدن وشق الترع واستصلاح الاراضي ، ثم بدا في كتابة شريعته المشهورة التي تعد من اروع الشرائع في العالم القديم ، وقد اعتمد حمورابي في شريعته على قوانين اورنامو ، وقد كانت شريعته شاملة لجميع اوجه الحياة الاجتماعية ، ومن ثم اهم رواكز تلك القوانين ( الجميع متساوون امام القانون ) .
.. وفي هذاالاثناء برزت تسمية الآراميين كقبائل متنقلة في بيث نهرين ، لم يكن لها مكان مستقر ، وحتى ان قسم منها هاجر الى سوريا الداخلية وساحل البحر الأبيض المتوسط سعيا وراء التجارة ، وقد كانوا ، من سكان بيث نهرين كباقي القبائل ، وسبب تسميتهم كانت من اماكن وجودهم الأولى في المناطق المرتفعة ( ارعا رمثا ) .
جاء في كتاب اللغة الآرامية للأب البير ابونا ( اما لقب ارام فهو اسم جغرافي اطلق على المرتفعات ( الأرض العالية ) الواقعة في الشمال الشرقي من سوريا ثم اطلقه الآشوريون على الجماعة التي وجدت في تلك المنطقة ) .
وكان الآراميون جزء من حضارة بيث نهرين منذ نشاتها الأولى في العهد السومري ، لأن السومريين كانوا قد ضموا تلك المناطق إلى دولتهم وتلاهم الآكاديون والبابليون ، وحتى هذه الفترة كانت اشور لا تزال احدى ولايات الدولة البابلية ، إلا انه سرعان ما قوي ساعدها واستغلت ضعف حكام بابل ونشوب الخلافات بين الملوك ورجال الدين فتمكنت اشور من الإستلاء على السلطة واقامت الدولة الآشورية الحديثة والتي اصبحت امبراطورية هزت اركان المعمورة .

.. ان الوصف الذي يصف به دولابورت الحضارة في بيث نهرين يكاد يكون هو الهدف من بحثنا هذا ، وهذه الجملة الصغيرة تستحق ان تكون مختصرا اجمالي لهذا البحث ، وتاتي الجملة كتاكيد لما كررناه في مواضع عدة من هذا البحث من ان حضارة بيث نهرين لم تكن من نتاج قبيلة واحدة او مدينة واحدة ، بل هي التراث الذي خلفه لنا شعب بيث نهرين بكامله وبكافة قبائله في مختلف العهود منذ ما قبل سومر وحتى سقوط اخر معقل للسلطة في بيث نهرين ( بابل ) .

.. يقول دولابورت : ( انشات الأولى حضارة وتعهدتها الثانية واتمتها حتى بلغت ذروتها ، وورثتها الثالثة ، واضافت إليها من عندها ، وحمتها واسلمتها وهي تحتضر هدية للبرابرة الظافرين الذين كانوا يحيطون على الدوام بالحضارة ) .

.. اما اشور فهي مدينة واولى العواصم التي قامت في بلاد ما بين النهرين بعد انتقال السلطة السياسية الى الآشوريين ، وتقع اطلالها على الجانب الأيمن من نهر الدجلة على بعد حوالي تسعة كم من جنوب الشرقاط ، ويعود تاسيسها إلى الألف الثالثة قبل الميلاد ، اقام فيها توكولتي نينورتا ( 1260 ـ 1232 ) قبل الميلاد هيكلا للإله اشور ، استمرت حتى انتقال العاصمة إلى نينوى في القرن الحادي عشر قبل الميلاد ، وكانت مركزا دينيا خطرا .
.. في كتابه من نحن للدكتور بيره سرمس عدد بعض اواصر القرابة بين البابليين والآشوريين كالتالي :
1 ـ رابطة الأصل : كانت تربط بينهم رابطة الاصل والكيان ، واللحم والدم ، حيث ان السواد الأعظم من الآشوريين قد نزح من بابل ، وقد ظلت هذه الرابطة في استمرارية وتجدد نتيجة التزاوج والأخذ والعطاء .
2 ـ رابطة اللغة : ان اللغة الآشورية هي لهجة متفرعة من البابلية ، كما ان هذه الأخيرة هي وليدة اللغة الآكادية ، اي الفرع الشرقي في اللغة السامية .
3 ـ رابطة الوراثة : كان البابليون والآشوريون متشابهين من حيث طول القامة والهيئة والشكل ولون البشرة ، وشكل الأنف والشفاه والجمجمة ، ولم يكن بينهما اي فارق في المظهر الخارجي .
4 ـ رابطة الدين : ان ديانة الآشوريين لا تختلف في جوهرها عن ديانة البابليين ، فقد كانت صلواتهم واساطيرهم ، وشعائرهم ومزاميرهم متشابهة جدا .
5 ـ رابطة الإدارة : كانوا متجاورين منذ البداية ، وكان لهما عادات وتقاليد متشابهة وتاثرت كل منهما بمسلك الأخرى ، وعاشتا زمنا طويلا تحت صولجان واحد ، ونشات بينهما نتيجة ذلك رابطة قوية ، واخوة صادقة ومتينة .

وفي مكان اخر يقول : ( رغم المشقات والأهوال التي عانوها ، فقد استطاعوا ان يحافظوا على قدر من طبائعهم وسجاياهم الاصيلة ، وان يصونوا نسابتهم الجذرية ، ويتجلى النموذج الحقيقي لهذه النسابة بكل وضوح في البابليين والآشوريين ، فقد كان الاثنان كتوامين ترعرعا في حضن واحد ورضعا من ثدي واحد ، ويقر التاريخ صراحة انه يستحيل التحدث عن واحد منهما دون الاتيان بذكر الآخر .

ويقول البروفسور ماتفيف : ( كان لشعوب بابل واشور ادب واحد ، ولغة واحدة ، ومترابطين بالمصير المشترك ) .
وفي كتاب اللغات السامية لـ ولفنسون جاء ( كان الآشوريون من اقرب الاقرباء للبابليين من جهة الجنس واللغة ) .
وفي كتاب قصة الحضارة لـ ول ديورانت جاء ( كان اليونان يطلقون اسم الآشوريين على الآشوريين والبابليين على حد سواء ) .
ويقول يوسف مالك في كتابه ( الخيانة البريطانية للآشوريين ) : لقد كانت الحضارة الآشورية وخاصة في مجال الأدب ، امتداد للحضارة البابلية اشقاء الآشوريين المتحدرين من نفس الاصل والمحتد ) .
والبابليين بدورهم اعتبروا انفسهم ورثاء اشور ( بعد سقوطها ) فادعوا السيادة على سوريا وفينيقيا ، على ما كان عليه الآشوريون من قبل ( فيليب حتي ، تاريخ لبنان ).
نستخلص مما تقدم ان شعب بيث نهرين كان شعبا واحدا جنسا ولغة وحضارة وثقافة وتاريخا وارض وعادات وتقاليد ، ومصير مشترك واحد .....................باستلام اشور للسلطة في بيث نهرين ، تمكنت من بناء حضارة مزدهرة ومتقدمة جدا ، ووصلت حضارتهم الى اعلى مقاماتها في هذه الفترة ، ولقد بنى الملوك الآشوريون قصورهم في حران وبابل ونينوى ، كما بنى قبلهم الآكاديون قصورا لهم في تل براك جنوب غرب القامشلي بحوالي 50 كم في الجزيرة السورية .

وفي الفترة الأخيرة نشبت الخلافات والصراعات بين بابل ونينوى على السلطة، وفي هذه الأثناء برزت تسمية طبقة جديدة في بابل وهم الفلكيون والرصاد الذين كانوا ملازمين لهيكل مردوخ وبقية الهياكل وهم المعرفون بـ ( الكلدان ـ المنجمين ) وتمكنت هذه الطبقة بحكم موقعها الديني ، من ان تلعب دورا رئيسيا في حياة بابل في الفترة الاخيرة ، وتمكنت من الاستيلاء على السلطة فترات طويلة ومتتالية ، حتى ان سقوط نينوى لم يكن الا بسبب الصراع القائم بينهما وبين بابل ، حيث اتفق زعماء بابل مع الميديين على ضرب سلطة نينوى عام 612 قبل الميلاد ، وهذا ما تحقق فعلا ، حتى ان سقوط بابل عام 539 قبل الميلاد جاء اثر اتفاق قائد منطقة ( غوتي ) الآشوري بين الزاب وديالا مع كورش الفارسي على انهاء سلطة بابل املا منه في الوصول إلى السلطة ، وانتقاما من ملوك بابل بعد ان نشبت الخلافات بين الملوك ورجال الدين .
من هنا فليس هناك من يستطيع او يتمكن من تجزئة تراث وحضارة بلاد ما بين النهرين ، فتاريخ بلاد الرافدين عبارة عن سلسلة متصلة الحلقات ، ولم يكن هناك تجزئة وتقسم لحضارة بيث نهرين في الحقبة الأولى ، اي انه في العهد السومري سمي التراث الذي خلفه لنا شعب بيث نهرين بالتراث السومري ، ولم يكن هناك تمييز بين فن الجنوب او الشمال بل كانت الحضارة واحدة ، وشيئ طبيعي ان تتطور الحضارة والتراث الحضاري مع تقدم الزمن ، فكان التراث الاكادي متطورا عن التراث السومري ، الا انه لم يكن شيئا جديدا ومغايرا للتراث السومري ، بل هو تراث متطور عنه وحتى ان الفترة التي عرفت بفترة حكم سومر واكاد اي سلالة اور الثالثة خلفت فنا وتراثا متطورا في العهد الاكادي ، وخير دليل على ذلك قوانين ( اورنامو ) التي تعتبر تطورا اجتماعيا واضحا في حياة شعب بيث نهرين اعتمدت في اساسها على اراء ( بوابي ) و ( غوديا) وسركون الاكادي ، ونرام سين ، ثم نرى ذلك بشكل واضح في العهد البابلي ، فان شريعة حمورابي التي تعد مفخرة انسانية ، اعتمدت في اساسها وركائزها الاولى على قوانين اورنامو بل تطويرا وتشذيبا لهذه القوانين ، ومن الطبيعي ايضا ان يكون التراث البابلي متطورا بشكل واضح من التراث السومري والاكادي وكذلك التراث والحضارة في العهد الآشوري ، فهي حضارة متطورة عن الحضارة في العهد البابلي .

يقول هنري فرانكفوت في كتابه ( فجر الحضارة في الشرق الأدنى ) : ( وهكذا يتضح انه قام على النهرين العظيمين استمرارا ثقافيا كان الناس يتناقلون بداخله بدون ان يسببوا اضطرابا في اساس المدنية ) .

ويعود سبب تسمية حضارة بيث نهرين بالآشورية للأسباب التالية :

1 ـ لأن حضارة بيث نهرين وصلت إلى اوجها وكمالها خلال هذه الحقبة التاريخية من السلطة الآشورية .

2 ـ لأنها تعد اخر سلطة سياسية قوية يحكم فيها شعب بيث نهرين نفسه بنفسه رغم رجوع سلطة بابل بعد سقوط نينوى إلا ان قصر تلك المدة لم يؤهل لبابل الإستمرارية الكافية إلا من خلال ما سيطرت به نينوى على باقي المدن ، وقد اوضحنا سابقا ان البابليين اعتبروا انفسهم ورثاء للسلطة الآشورية .

3 ـ لأن الآشوريين منذ نشاتهم الحضارة كانوا جزء لا يتجزء من المنطقة وعملوا على توحيد شطري المملكة طوال مدة حكمهم ، ولم يتوانوا لحظة من الدفاع عن بابل مثل دفاعهم عن نينوى .

4 ـ لأن التسمية الحديثة ( اعني بها السريانية ) ليس مقصود منها الا الآشورية وسنوضح ذلك في مواضع اخرى من هذا البحث .

5 ـ لشعورنا بالإنتماء للحضارة الآشورية التي قامت في بيث نهرين على مر العصور .

اما لماذا لم تطلق تسميات اخرى على شعبنا ، فلان تلك التسميات كانت تدخل فترة قصيرة من التاريخ ، واخرى فترات متقطعة منه ، ونشاهدها فيما بعد تختفي نهائيا وتنقطع استمراريتها وتذوب في الأسم الآشوري ، فمثلا لم يسمى شعبنا بالاكادي او السومري ، لان هذه القبال المتحضرة عرفت في فترة تاسيسية من التاريخ وفي احقاب بعيدة وهيمنة الاسم البابلي الآشوري عليها فيما بعد ، ولم يسمى بالشعب البابلي نظرا لانقطاع ورود هذه التسمية في التاريخ ، وهي نسبة الى مدينة وبقيت كذلك ولم تاخذ منحا قوميا او دلالة على شعب معين ، وكذلك التسمية الكلدانية نظرا لتقطع ورود هذه التسمية في التاريخ ، والكلدان لم يكونوا يوما كما شعبيا بل كانوا طبقة او جماعة من الكهنة والعرافة وراصدي النجوم ( التسمية الكلدانية التي تطلق اليوم على مجموعة من شعبنا اليوم هي حديثة ، واطلقت عليهم بعد الانشقاق عن كنيسة المشرق الآشورية في العام 1552 حينما رفضت مجموعة من المطارنة وبشدة قبول التسلسل الوراثي لوصول صبي غير مدرب إلى منصب البطريركية فقد كان وريث البطريرك االوحيد . فاجتمعوا في أربيل وانتخبوا مار يوحنان الثامن سولاقا وهو كان يشغل منصب رئيس دير الربان هرمزد انتخبوه بطريركا بدلا عن بطريركهم الصغير مار شمعون برماما وسميت كنيستهم بكنيسة بابل الكلدانية ) .

كما نفيت التسمية الآرامية لان الآراميين هم من سكان بيث نهرين الاصليين ، برزوا كقبائل في القرن السادس عشر قبل الميلاد ، ثم اصبحوا جزء لا يتجزء من الدولة الآشورية كسلطة سياسية انطبع بها كل سكان بيث نهرين ، هنا بالاضافة الى قبائل ارامية اخرى عاشت على اطراف المملكة خارج حدود بيث نهرين وانصهرت مع الشعوب المجاورة ونسيت نفسها وبدات تنتمي لتلك الشعوب .

جاء في كتاب اللغة الآرامية للأب البير ابونا ما يلي :

.. كانت دويلاتهم ( الآرامية ) تعيش على هامش الدول الكبرى تتحالف تارة مع بعضها وطورا مع الأمم المجاورة لصد العدوان عنها ، لكن هذه السياسة اخفقت في الإبقاء على هذه الدويلات ، إذ انها انهارت الواحدة تلو الأخرى تحت ضربات الدول الكبرى وزال تاثيرها السياسي وتلاشى استقلالها النسبي ، فامتزجت شعوبها بالدول المجاورة واندمجت فيها .

هذا فيما يخص الآراميين الذين نزحوا من بيث نهرين ، اما الذين عاشوا ضمنها فاصبحوا جزء من الشعب الآشوري .
جاء في كتاب الآشوريون لماتفيف ما يلي : ( سقوط الإمبراطورية الآشورية عمل في امتزاج وتلاحم هذين الشعبين ( الآراميين والآشوريين ) المتقاربين من حيث التواجد والظهور واللغة ، عملية تلاحم هذين الشعبين شملت : اللغة ، الأدب ، العادات ، والتقاليد ، والأساطير ، وعمت حضارة قوية وتاريخية واصبحت اللغة الآشورية المتداولة مبنية على قواعد هاتين اللغتين ) .

وفي كتابه الألواح تتكلم يقول ماتفيف : ( واندمج الآشوريون والآراميون في شعب واحد ذات لغة مشتركة ) .

اما التسمية السريانية Assyrian التي اطلقت على شعبنا الآشوري باللاتينية عند مجئ الإسكندر المقدوني عام 331 قبل الميلاد ، فهذه التسمية لم تعايش كل الأحداث التاريخية للمنطقة ومنه لا يمكن الأخذ بها ما قبل تلك الفترة وما هي إلا اشتقاق للاسم الآشوري تماما , واخيرا فان الآشورية هي حصيلة تفاعل وامتزاج كل تلك القبائل التي عاشت في بيث نهرين عيشا مشتركا ومصيرا واحدا ابان سلتطها المستقلة كدولة واثناء وقوعها تحت نير الغزاة ، فالآشوري اليوم هو : السومري والآكادي وهو البابلي والآرامي والكلداني والسرياني واشوريي نينوى .

والمهم هو ان الفضل لبناء حضارة بيث نهرين تعود للشعب كله وليس لقبيلة واحدة ولكونه هو باني هذه الحضارة وليس السلطات السياسية ، وهو كان سيبني هذه الحضارة سواء كانت سلطة سومر ام اكاد ام بابل ام اشور ، لذا فانه ليس للتسمية اهمية بقدر ما للصفات والخصائص القومية التي ميزت شعب بيث نهرين من حضارة وفن وتراث وتاريخ وعادات والام وامال ولغة مشتركة ، كل هذه الخصائص والسمات طبعت شعب بيث نهرين بطابع خاص ذو قومية مميزة ، كما اننا لا نتعصب لقبيلة ما او اسرة او لفترة تاريخية معينة ، فاننا نفتخر بالحقبة الآشورية وبالحقبة الكلدانية كما نفتخر بالحقبة البابلية واننا نعتز بالقبيلة السومرية والآرامية كاعتزازنا بالقبيلة الآشورية والبابلية لكون هذه القبائل اجزاء من شعبنا ولم تكن ذات حضارة متمايزة او منفصلة بعضها عن بعض ، بل مجرد تسميات لأماكن سكن القبائل لا اكثر ، وان جميع سمات القومية كانت واحدة لدى جميع فئات الشعب ، وان كان كما بيينا سابقا ان التراث الحضاري في بيث نهرين كان يتطور حسب المراحل التي مر بها على مر الزمن ، حتى انه خلال فترة الحكم الواحد كان يتطور الفن ايضا .

فالفن السومري في نهايته متطور عن بدايته ، وكذلك الفن الآشوري والبابلي ، فان امتزاج شعب بيث نهرين تحت سلطة سياسية واحدة على مدى احقاب زمنية طويلة ( وان اختلفت الاسر الحاكمة ) وانشاءه حضارة واحدة على مدى هذه الاحقاب، ينطبع بطابع واحد له خصائص وسمات واحدة ، وما التسمية الآشورية الا اجمالا كاملا لاطول فترة من فترات الحكم في بيث نهرين التي فيها تواصلت تلك الحضارة الى اوج مجدها وازدهارها ، وعرفت بهذا الأسم من قبل الشعوب المجاورة واستمرت بهذه التسمية فيما بعد .

وبعد سقوط بابل سنة 539 قبل الميلاد على يد قورش الفارسي ، تشتت الشعب الآشوري في ارجاء المملكة ، فقسم منه صعد الجبال الشمالية الشرقية ، وقسم اخر هرب مع القادة العسكريين إلى اورفا ونصيبين ليشكلوا ممالك مستقلة بفرض الانتقام واعادة السلطة الآشورية ، وقد تحالفوا مرارا مع الفراعنة وفشلوا في استعادة مملكتهم ، وبقي القسم الأعظم من سكان بيث نهرين في بلادهم .

يقول عالم الآثار الشهير هنري لايارد في كتابه ( نينوى وبقاياها ) ما يلي :

( لم يفنى الشعب الآشوري بعد سقوط مملكته ، ان عددا كبيرا منهم قتل بحد السيف واقتيد عدد اخر كاسرى الى ارض بعيدة ، ولكن جزءا من هذا الشعب ظل بالقرب من خرائب المدن الكبرى وفي القرى المجاورة يمارس عاداته وتقاليده ، محافظا على لغته واسمه حتى يومنا هذا .

ويقول في مكان اخر : ( ان الكلدان والنساطرة واليعاقبة القاطنين في القرى القريبة من مدينة الموصل او اولئك الساكنين في المرتفعات الوعرة من ( كردستان ) ، هم سلالة الآشوريين والكلدان ، وما زالوا حتى يومنا هذا يتكلمون نفس اللغة التي كانت تحكى في نينوى وبابل ) .

وجاء في كتاب تاريخ الآشوريين للبروفسور ماتفيف ما يلي :

( يعتبر الآشوريون انفسهم احفاد للأمبراطورية الآشورية العتيد ،وقد نجا كثير منهم بعد انهيار هذه الامبراطورية في عام 605 قبل الميلاد ، وحافظ هؤلاء على لغتهم وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم حتى يومنا هذا بالرغم من كثرة الشعوب التي سيطرت على مناطقهم ، ولا يدخل في نطاق بحثنا هذا موضوع التطور البشري للآشوريين المعاصرة ، ولكننا نستطيع القول وبالاعتماد على مصادر عديدة بان الآشوريين لم ينقرضوا كشعب بانقراض الدولة الآشورية ، فالكاتب الآشوري ب ج اراسانيس يقول : ( ان الآشوريين هربوا الى جبال اشور المنيعة وعاشوا هناك فترات طويلة مع جيرانهم الأكراد ) وكتب في كتاب اخر يقول : ( لم يقتل جميع الآشوريين بعد انهيار الدولة الآشورية ، فقد هرب كثير منهم إلى جبال اشور ( مقلوب ) و ( سنجار ) .

وبعد اعوام كثيرة من سقوط اشور عادت فلول الآشوريين الى مناطقها القديمة واسست مدينة على الشاطئ الأيمن لدجلة ( وقد ظلوا يعيشون قرب خرائب مدينتهم ويمارسون طقوسهم القديمة ) .
إذا بعد بقاء القسم الأعظم من سكان بيث نهرين في بلادهم ، لم يحاول الفرس في البداية تغيير شيئ من عقائد اهل البلاد ، بل تفاعلوا مع هذه الحضارة وتاثروا بها وحتى انهم اخذوا عنهم نظام الادارة وتنظيم الجيش والحساب ، والفلك ، وقد بقي الشعب الآشوري خاضعا لسلطة فارس حتى قدوم الأسكندر المقدوني عام 337 قبل الميلاد ، وتمكن من الأنتصار على جيوش فارس وكانت بيث نهرين من ضمن المناطق التي خضعت لسلطة هذا الحاكم المقدوني الذي كان معجبا بعظمة بابل اعجابا شديدا ، لذا قرر اعادة بناء مجدها مجددا ، لكن وافته المنية قبل تحقيق حلمه ، ووقعت بيث نهرين تحت حكم الامراء السلوقيين خلفاء الأسكندر ، وفي هذه الأثناء اطلقت تسمية ( اسريان ) على شعبنا باللغة اليونانية ، وقد اطلقوا على البلاد تسمية بلاد الأسريان ، اي بلاد الآشوريين ، ثم تطورت هذه الكلمة إلى ما الت اليه بعدئذ بتسمية ( سريان ) وهي ترجمة حرفية للكلمة ( Assyrian ) ففي اليونانية ( اسيريان ) وفي لغة الشعب الآشوري ( ܣܘܪܝܝܐ ) لأنه لا توجد ( الـ ) التعريف في اللغة الآشورية السريانية بينما هي في العربية ( السريان ) ودخول اللام الشمسية التي تكتب ولا تلفظ ، ولذا فان قسم كبير من العامة يلفظها بالف ولام ، ولكنها في الحقيقة تلفظ بالعربية ايضا ( اسريان ) لأن اللام الشمسية تكتب ولا تلفظ ، لذا فهي تكتب السريان وتلفظ اسريان ، فعندما نقول بلغتنا ( ܣܘܪܝܝܐ ) كاننا نقول في العربية ( السريان ) وبالاجنبية ( اسيريان ) ومن هنا يتاكد ان الكلمة ترجمت ترجمة حرفية للفظة التي اطلقها اليونان على شعبنا واخذناها بعدئذ كتسمية وكقلب .

جاء في كتاب المقالات في الأمة السريانية للأستاذ كبرئيل صومي ما يلي : ( .. والآن بعد البحث والتدقيق ، نعلم ان التسمية السريانية تكونت تدريجيا من التسمية الآشورية او الآسورية المشتقة والمتحرفة اصلا من اسم اشور الذي كان صفة الهية ) .
وفي مكان اخر يقول الأستاذ صومي : ( اما بالنسبة الى اسم السريان فاننا نعلم بانه قد حرف تدريجيا ، او تكون وتطور لفظيا من اسم اشور او اسور كما ورد انفا ، ومن هذا الأسم وجدت عدة مشتقات لفظية ، اسر ، اشر ، وذلك بقلب الشين سينا كما هو معهود وعادي جدا في اللغة السريانية والعربية وغيرهما من اللغات ، اما الهمزة الظاهرة في اول الأسم فانها كانت اداة تعريف بموجب اللهجات القديمة كالآكادية والآشورية ، او حتى بموجب اللهجة السريانبة الطورانية الحالية الدارجة بين العامة التي حتى الآن تضاف وتحذف حسب الحاجة في لهجة اهل طور عابدين السريانية لأجل التعريف والتنكير ، كما تضاف وتحذف الـ التعريف الى الأسم في اللغة العربية ، إذ نقول سوريا او اسوريا كما نقول ومن طورا اطوار من طرفا اطرافا ، ولأجل النسبة الوطنية اضاف اليونان والرومان لفظة ( يان ) ( ian ) إلى اخر الأسم فاصبح اسريان عند اليونان واسيريان عند الرومان او اللاتين Assyrian - assurian كما هي الحال في كلمتي Italian - Aarabian وعند العرب اضيف الى اول الاسم في كلتا اللفظتين اداة التعريف بدلا من الهمزة ، ومنها جاءت لفظتا السريان والسيريان ، واذا ارادوا تعريب الاسم لفظيا ، فانهم يقولون الآسوريين ) .

وفي مكان اخر يقول :( منه ( اي من اشور ) تحدر السريان الآشوريين الذين كانوا يعرفون ايضا باسم الآثوريين بالنسبة الى اثور بمعنى المكان والأثرا او الموطن او المحلي Patria وبما انه كانت عادة حذف الهمزة من اول الأسم معهودة عند العرب والسريان واليونان كما تبين فقد تحول الأسم الى سريان من اسيريان ) .

وجاء في كتاب اللمعة الشهية ، للمطران اقليميس يوسف داود مطران دمشق على السريان ما يلي :

( فينتج من ذلك ان الأمة السريانية جمعاء شرقا وغربا كانت قبل المسيح تدعى عند اهلها ارامية او اثورية كما ورد في الكتاب المقدس ، وان اسم السريانية لم يكن الا اختصار ( اثورية ) اختصره اليونان بعد الاسكندر ذي القرنين وقبلوا ثاءه الى السين لسهولة اللفظ ) .

وفي مقدمة كتابه ، تاريخ كلدو واثور ، يقول المطران ادي شير ما يلي :

( ان سكان الجزيرة واثور والعراق على اختلاف مذاهبهم هم كلدان اثوريين جنسا ووطنا ، وقد دعوتهم كلدان اثوريين لأن هذين الشعبين هما في الأصل شعب واحد نظرا الى الديانة والعوائد والشرائع والأدب والصنائع ، فضلا عن ان اسم الكلدان الآثوريين والآراميين وهم الذين سماهم اليونان سريانا سموا قاطبة كلدانا باسمهم القديم واشوريين اعني الآثوريين باسم اشور الذي بنى مدينة نينوى ، ثم يقول نقلا عن ديونوسيوس التلمحري ما نصه ( ان سوريا هي غربي الفرات ، فالذين يتكلمون بلساننا انما على سبيل الأستعارة سموا سريانا لأنهم ليسوا الا جزء من الكل ، واما الآخرون فسكنوا كلهم في شرقي الفرات وامتدوا من سواحل الفرات الى بلاد فارس وقام ملوك كثيرون في هذا القسم اي في اثور وبابل واورهاي .

فقد تحقق ان السريان اليعاقبة ايضا اقروا ان اصلهم كلدان اثوريين جنسا ولغة وان اسم السرياني هو يوناني خارجي اطلق غلطا وزورا علينا وعليهم ، ويا ليتهم يجوزون مثلنا عن الأسم السرياني ، ويسترجعون الأسم الكلداني الآثوري فنصبح كلنا شعبنا واحدا اسما وجسما ويدا واحدة لتنهض امتنا هذه القوية القديمة التي كسبت في سالف الأزمان ذكرا جميلا ومجدا عظما في الزمنيات والروحانيات ) .
وفي مكان اخر يقول : ( ان الكلدان الآثوريين هم السريان ) .

وفي كتابه ، ذخيرة الأذهان ، يقول القس بطرس نصري : ( ان لفظ سورايا السرياني ماخوذ بلا شك عن اثورايا ) .
وجاء في كتاب دليل الأعلام في حضارة بلاد ما بين النهرين ما يلي :

( عندما دخل اليونان الى هذه البلاد بقيادة الأسكندر المكدوني عام 337 قبل الميلاد والذين اطلقوا عليه assyrian حسب لفظ لغتهم وذلك لعدم وجود حرف الشين في اللغة اليونانية ( اللاتينية ) فلفظ الشين في اللغات الاوربية الحديثة هي لفظة مركبة من حرفين SH واصبحت هذه اللفظة دارجة في الهيئات الادارية للسلطات الحاكمة فترجمت الى لغة الشعب بلفظة ( ܣܘܪܝܝܐ) سريويه باللهجة الغربية وسريايا باللهجة الشرقية وذلك لعدم وجود الـ التعريف في بداية اسماء الاعلام في اللغة السريانية ، وهناك امثلة كثيرة على ذلك مثل الفلسطينيين ( ܦܛܫܬܝܐ ) فليشتويه ، والمصريين ( ܡܨܪܝܐ ) مصرويه ، وهكذا ، وترجمت اللفظة من اليونانية الى العربية بلفظة ( السريان ) حيث لم يتغير شيئ في اللفظ بين العربية واليونانية ، فتكتب السريان وتلفظ ( اسريان ) لكون اللام شمسية وليست قمرية ، فاللام تكتب ولا تلفظ وخطا يشدد على الـ التعريف .

وفي كتابه ، الفكر السرياني ، يقول الأستاذ موسى غزال : ( وما لفظة سريان الا نحت من الأصل ( اسور ) واسمه في بعض اللغات الآرامية اسور ثم تحول الى اسير وقالوا اسيريان واسوريان ثم حذفوا الألف واختصروا بقولهم : سريان بضم او بكسر ، ولم يزل اهل اللغات الآرية اذا ارادوا التعريف عن الأمة السريانية تعريفا حقيقيا بلفظ صحيح قالوا : اسيريان ، تجد ما يشفي الغليل .
ويتابع الأستاذ غزال ( ويقال بانها ايضا تنتسب في الأصل الى اشور ابن سام بن نوح والى اخيه ارام علم وارجح ان الأسم تحرف الى سريان وذلك لفظ يوناني اطلقه عليهم اليونان قبل الميلاد ببضعة قرون ( تعريب اسور ) السين والشين تتبادلان كما هو معلوم ومنه سميت هذه البلاد المعروفة اليوم بسوريا كما يقال اليوم اخذا عن اليونان الذين قالوا : اسيريان والصواب سوريا على النسبة او مراعاة قاعدة التانيب في اللغة السريانية اسورية ، ولا غرو اذا قلنا ان السريان هم اهل سورية وبلاد ما بين النهرين منذ اقدم الأجيال ) .

وجاء في كتاب الطرفة الشهية للخوري عيسى ما يلي :
( السريان هم احفاد الآشوريين القدماء لهم في التاريخ القديم ذكر لامع ، فقد بسطوا سلطانهم انذاك على الديار الشرقية وما برحت اثار سؤددهم ظاهرة بما بقي في مكتوبات لغتهم سواء في الطروس الرقية والمكتشفات الأثرية القديمة ) .

اما المؤرخ الأغريقي الشهير ( هيرودوت ) فيقول في فصل من كتاب له في معرض الحديث عن الآشوريين ما يلي :

ان جميع الشعوب البربرية تسمي هذا الشعب المقاتل بالآشوريين Assyrian الا نحن الأغريق نسميهم سريانا Syrians ) .

وكتب المطران يعقوب اوكين منا ما نصه :

( ان لفظ السرياني على راي اغلب المحققين متاتية من لفظة الآثوري ) .

والمطران توما اودو الكلداني قال في معجمه السرياني :

( ان لفظ سرياني وسورية صاغه اليونان من اشور ) .

والبطريرك مار ميخائيل الكبير قال في كتابه ، تاريخ العالم :

( ان اصلنا اشوريين وبابليين واراميين ) .

وفي مكان اخر يقول البطريرك : نحن سمينا سريان منذ بدء المسيحية وتلينا عن اسمنا القومي السابق ، فنحن ابناء الآشوريين ) .

والمفكر الفرنسي الكبير ، ريبانس دوفان ، وهو من المتبحرين في تاريخنا قال : ( ان كلمة سرياني وضعها اليونان لمنطقتنا وهي مشتقة من كلمة اشوري ( سريان ، اسريان ) ( اشوري ) سيرياك اسيرياك ) .

والبطريرك مار يعقوب الثالث قال في كتابه ، تاريخ الكنيسة السريانية :

( ان كنيستنا قوميا هي ابنة الآثورية الآرامية ) .

وفي مقال له بعنوان ( لماذا انكار الحقيقة ) في مجلة العربي ، قال البطريرك يعقوب :

( الناطقين بالسريانية من حفدة البابليين الآشوريين والآراميين كانوا السواد الأعظم من هذه البلاد ) .

يقول الدكتور يوسف حبي في بحث عنوانه ، اصالة السريان ومساهمتها في البناء الحضاري :

( .. ولنعزز تصريحاتنا هذه براي القائلين ، ان التسمية السريانية مشتقة من اسم ( اسور ) اسيريا باليونانية واللاتينية سيريا ، سوريا ، سورايا ـ سرياني ، سريانية ) ( المطران صليبا شمعون ، اللغة السريانية ، مجلة بين النهرين السنة 1 / 1973 ) .
ويقول الصحافي الكبير فريد الياس نزها ، مدير ومحرر مجلة الجامعة السريانية ما يلي :

( كل من له اطلاع في اللغة والتاريخ ، يعرف ان كلمة سريان اصلها اسيريان وهو لفظ يوناني منحوت من الأصل ( اشوريان ) . ( الجامعة السريانية ، العدد 3 شباط 1939 السنة 5 ) .

وفي مكان اخر يقول : ( ان هذه التسمية السريانية محرفة عن الأصل ، اشوري ومنه ايضا اسم سوريا) ، ويقول ايضا ( كلمة سرياني منحوتة على لغة اليونان والرومان الفاتحين عن الأصل ، اشوري ) .

ونختتم هذا الفصل الذي عرضنا فيه الآراء فيما يخص موضوع التسمية ، بمقطتفات من الوثائق التي قدمها المطران ( البطريرك بعدئذ ) مار افرام برصوم الى مؤتمر السلام الذي عقد في مدينة سان ريمو فرنسا 19 ـ 26 نيسان 1920 ، وكان المطران احد المشاركين في الوفد الآشوري في مؤتمر السلام .

جاء في مقدمة الوثيقة جاء ( نحن نعتمد على عدالة مؤتمر السلام في الأستماع الى امتنا التي الى مستقبل مقبول والذي فيه تستطيع ان تلعب دورها القديم للحضارة الآشورية ـ الكلدانية ) .

جاء في مقدمة الوثيقة رقم 23 ، شباط 1920 الصادرة من مطرانية سوريا دمشق ، حمص ما يلي :

( لنا الفخر في ان نحيط مؤتمر السلام علما بان بطريرك انطاكيا قد عهد الي مهمة وضع معاناة واماني امتنا الآشورية القاطنة اغلبيتها في وديان دجلة والفرات العليا ببلاد ما بين النهرين ، امام المؤتمر ... ) .

وفي ختام هذه الوثيقة جاء ( نحن نعتمد على عدالة مؤتمر السلام في الأستماع الى امتنا التي تتوق الى مستقبل مقبول والذي فيه تستطيع ان تلعب دورها القديم للحضارة الآشورية ـ الكلدانية ) .

وفي مقدمة الوثيقة الثانية رقم 26 ، لندن 22اذار 1920 جاء :

( سيدي الفاضل ، من واجبي كمندوب عن بطريرك انطاكيا والشعب السرياني الذي ينتسب الى الكنيسة السريانية الأرثوذكسية والذي ينحدر من اصل اشوري ، ان اعرض امام سعادتكم ... الخ ) .

هذا غيض من فيض نثبته هنا فيما يخص موضوع التسمية القومية لشعبنا علنا نكون بذلك قد ساهمنا بوضع حد لما نستطيع تسميته بـ ( حرب التسمية ) التي اخذت وهدرت منا وقتا وطاقات لو جندت واستغلت لمسائل عملية اخرى لشعبنا ، لكنا الآن من دون شك في مكانة ووضع نحسد عليه ................... عند بروز روما كدولة قوية في الشرق مما ارغم كل السلوقيين والفرس على خوض معارك مع الدولة الجديدة وكانت بيث نهرين وشعبنا مسرحا لهذه المنازعات والمطاحنات ، وقد وقع قسم من شعبنا تحت سلطة فارس ، والقسم الآخر تحت سلطة روما ، فذاق شعبنا الأمرين من جراء حروب هاتين الدولتين ، فكان لظهور الديانة المسيحية تحول كبير في حياة شعبنا ، فلقد كان شعبنا احوج ما يكون الى مبادئ مثالية سامية تنقذه من الظلم والأضطهاد الذي يعانيه ، وقد راى في التعاليم المسيحية ضالته المنشودة ، فهي تعاليم غاية في السمو والتسامح والسلام ، وشاملة لجميع الشعوب في العالم ، فحملها شعبنا باقصى ما يتمكن من ايمان وعزم على نشرها بين حاكميه ، الا انه فشل في البداية باقناع حاكميه بهذه المبادئ التي تدعوا الى المحبة والاخاء والتسامي والعدالة لكونهم لم يكون بحاجة لمثل هذه التعاليم لأنهم في مركز قوة ، والقوي لا يحتاج للعدالة والمساواة ، ولذا اعتنق شعبنا بمعظمه الديانة المسيحية وبما انه لم يتمكن من بناء سلطة سياسية مستقلة خاصة به ، فقد تبع شعبنا بمعظمه قادته الروحيين واوكل اليهم امره وحتى شؤونه الاجتماعية .

فاصبح رجال الدين هم الممثلين للشعب الآشوري الذي كان يعرف انذاك بالسريان ولهم صلاحيات النطق باسمه والتفاوض بدلا عنه حتى كان عام 452 م وظهور الإنشقاقات المذهبية بين رجال الدين والتفسيرات الفلسفية لنصوص الأنجيل ، وما تمخض عن مجمع افسس المنعقدة عام 432 م من تحريم لتعاليم نسطور ، وكان من الطبيعي ان تقوم الدولة الرومانية التي امنت بالمسيحية انذاك بطرد نسطور واتباعه من الاماكن التي تقع تحت سيطرتها ، فسنحت لفارس فرصة ذهبية وقررت استقبال نسطور ونشر مذهبه بين افراد شعبه ويكون لها حليفا جديدا تستخدمه واتباعه ضد الدولة الرومانية التي كانت عدوتها ، وهكذا انقسم شعبنا مذهبيا الى فئتين ( السريان النساطرة ـ والسريان اليعاقبة ) وقد بقي السريان النساطرة ضمن حدود الدولة الفارسية ، بينما ظل السريان اليعاقبة ضمن حدود الدولة الرومانية ، وكانت تقوم كل دولة باستغلال شعبنا المتواجد ضمن سيطرتها ابشع استغلال .

فكانت فارس تستخدم الكنيسة النسطورية لكشف اتباع الكنيسة اليعقوبية ضمن سلطتها واضطهادهم بابشع الوسائل ، ونفس الشيئ كانت تفعله الدولة الرومانية مع الكنيسة اليعقوبية حت ان رجال الدين لم يتوانوا عن اضطهاد الجانب الآخر هم انفسهم ، وهكذا تعمقت الخلافات والأحقاد بين فئات شعبنا ، بعمق الأحقاد والخلافات بين روما وفارس ، فكان لهذه الدول ما ارادته من استغلال شعبنا وذلك بحجة موافقة زعمائه الدينيين ، وبالرغم من كل هذه المحن والمصائب فقد كان شعبنا يقدم العطاءات الجزيلة لمستغليه ويشيد المدارس والمعاهد في الرها ونصيبين وغيرها من المدن ، ولمزيد من الإيضاح عن الانشقاق الكنسي والمذهبي نثبت هنا ما ورد في كتاب ( الآشوريون ) للكاتب الشهير ( ماتفيف ) إذ جاء : ( وفي القرن الأول الميلادي وفي كل من فلسطين وسوريا وبلاد ما بين النهرين وايران ، هناك حيث عاش الآشوريون بصورة رئيسية ، اخذت الديانة المسيحية بالانتشار ، وكان الشعب الآشوري من اوائل الشعوب التي اعتنقت هذه الديانة ، ولما لم تكن لهم دولة او حكام دنيويون فقد قامت الكنيسة ورؤساء الدين بمهمة جمعهم وتوحيدهم ، فاصبحت الكنيسة تقوم منذ هذه الفترة بهذه المهمة التاريخية الدنيوية ، فتشابكت مهمات الكنيسة الآشورية ، غير ان الاخيرة لم تعوض الآشوريون بفقدانهم للدولة وتطورهم وفي نفس الوقت امكن المحافظة على الخواص الأثنية للآشوريين والعلاقات بينهم بالرغم من تواجدهم وعيشهم في دول مختلفة .

اضطهدت الأمبراطورية الرومانية ومن بعدها البيزنطية الشعوب الواقعة تحت سيطرتها ، ومن ضمنهم الآشوريون ، ولم يكن اضطهاد روما وبيزنطية اضطهادا سياسيا او اقتصاديا او اجتماعيا وقوميا فقط ، وانما شمل الأضطهاد الديني ايضا ، وظهر عدم الرضى على وضعهم الصعب كثيرا على شكل صراع ضد المسيحية الأورثوذكسية البيزنطية وعلى شكل النقاشات الدينية الحادة وتشكيل التيارات والمذاهب الدينية المختلفة ، ومن الذين اظهر عدم الرضى عند الآشوريين ضد سلطة بيزنطة كان نسطورس ، والذي قدم من سوريا وانتخب في عام 437 م ، قرر الأجتماع الكنسي الذي عقد في افسس بادانة نسطور واتباعه ، غير ان النسطورية لم تمت وانما اصبحت المذهب الرئيسي للكنيسة الآشورية وسمي اتباعها الآشوريون ( بالنسطوريين ) .

عدم الرضى عن سياسة بيزنطة ادى الى انفصال قسم اخر من اشوريي سوريا عن الكنيسة البيزنطية .
هذا الحدث لقب بانفصال يفتاح ( ارشمندريت القسطنطينية ) وشكل هذا القسم من الآشوريين كنيسة لهم ايضا ، وان تعاليم يفتاح ادينت في مجمع خلقدون عام 401 م ، وقام بنشر تعاليم يفتاح اسقف مدينة اورفا ( اديسا ) يعقوب باراداي زنزال ، وباسمه دعيت الكنيسة اليعقوبية وسمي اتباعه باليعاقبة ، اختار معتنقي مذهب يعقوب مدينة انطاكيا مقرا لهم ، وفي القرن الخامس عشر نقل الكرسي البطريركي لكنيسة اليعاقبة الى دير الزعفران بالقرب من مدينة ماردين ( تركيا ) ويتواجد الآن المقر البطريركي في مدينة دمشق ( سوريا ) .

منذ اعتناق اشوريي سوريا المسيحية ، كان التبشير والتدريس في المدارس يتم باللهجة الغربية للغة الآشورية ، لذا فجميع الذين اعتنقوا الديانة المسيحية والذين كتبوا بهذه اللهجة لقبوا ويلقبون خطا بالسوريون ، وان اشوريي شمال العراق وحتى وقتنا الحاضر يستعملون مصطلح ( سوري ) ( سورايا ) للتعبير عن جميع معتنقي الديانة المسيحية ، والى هذه المصطلحات اضيف في القرن السادس عشر تعبير اخر ( كلداني ) والذي ادخل من قبل روما البابوية للتعبير عن ذلك القسم من الآشوريين النسطوريين الذي انتمى الى الكنيسة الكاثوليكية .

وعند قدوم قوات الفتح الإسلامي ، التي جاءت من الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي ، انهارت امامها قوات الدولتين العظيمتين ( فارس وروما ) ، وقد كان لهذه القوات عقائد إلهية متشابهة من جهة ومغايرة من جهة اخرة للعقائد المسيحية ، فاستبشر شعبنا بفئتيه النساطرة واليعاقبة خيرا بقدوم الفاتحين الجدد ، املا في الخلاص من المظالم والأضطهادات ، وقد خدم الآشوريين الدولة المحمدية وساهموا في تاسيسها من ناحية التنظيم والإدارة والمساهمة في بناء المعاهد العلمية ، إلا انهم لم يكافئوا على ما قدموه لهذه الدولة الفتية ، فقد وقعوا تحت سلطة الجزية والخراج التي كانت تجمع منهم بالقوة في معظم الأحيان مما ارغم قسم منهم الى اعتناق الديانة الاسلامية تهربا من دفع الجزية وخوفا على حياتهم .
الا ان كل هذه الأمور لم تمنع الآشوريين بفئتيهم ( السريان اليعاقبة ـ والسريان النساطرة ) من تقديم العطاءات المستمرة سواء اكانت علمية او ادبية ، وتنظيم شؤون الادارة لهذه الدولة ، فكانوا دوما حلقة وصل ومزج لأفكار ولثقافات الشرق والغرب وكانت لغتهم المعروفة انذاك بالسريانية هي اداة العلم والمعرفة والنقل والترجمة ، وقد كانت مرحلة العصر العباسي من ابرز المراحل التي ابدع فيها العلماء الآشوريون في مجال الطب والفلسفة والأدب .

جاء في كتاب الآشوريون لمؤلفه ماتفييف ما يلي : ( بعد احتلال العرب لاسيا المتقدمة ، عرف الآشوريون العرب بمؤلفات المؤرخين والفلاسفة الأغريق وغيرهم ، فالكتب التي ترجمها الآشوريون وبحسب اقوال الخلفاء قدمت خدمة جليلة للعرب ، والادب الآشوري في القرنين الثامن والتاسع الميلاديين ساعد العرب للأطلاع على ثمار الفلسفة والعلم الأغريقي ، والتي تستحق التثمير في العالم اجمع .
اخذ العرب هذه الثروة من الآشوريين عندما كانت اوروبا في القرون البربرية والجهل ، وللتاكيد على تاثير الآشوريين على الحضارة العالمية ، نذكر اقوال المؤرخ سباسكي والذي كتب ( هذه الاعمال النيرة للنسطوريين في فترة الخلافة العربية تعتبر افضل واجمل صفحة من التاريخ في تلك العصور الجاهلة ، عندما كانت اوربا تمر بعصور الظلام ، وفي بيزنطة حيث سببت الكنيسة التاخير في التقدم العلمي ، النسطورية كانت الملجا العلمي الوحيد لطالبي العلم والعلماء الذين اعطوها للعرب ولتنقل الى الاجيال المقبلة ، وكان دخول العرب اسبانيا كما هو معروف يعتبر اكبر زخم لايقاظ العقل الأوروبي الغربي في القرنين الثالث والرابع عشر من سبات القرون الوسطى .. ) .

وفي مكان اخر يقول ماتفييف : ( ومن ضمن الشخصيات الآشورية العظيمة يجب ذكر مار افرام سيرين ميخائيل السوري ، ابن العبري ، اسحق بن حنين ، ايشو با نوفا ، ايشو بار بهلول ، وغيرهم ) .
إذا كانت مرحلة العهد العباسي من ابرز المراحل التي ابدع فيها العلماء الآشوريون في الطب والأدب والفلسفة وهي نفس المرحلة التي زاد خلالها الأنشقاق المذهبي وزادت التفسيرات الفلسفية لنصوص الأنجيل اختلافا بين الفئتين بعد امتزاج مبادئ الفلسفة اليونانية بالمبادئ المذهبية الدينية وتحولها الى عقائد خاصة يؤمن بها بعض المفكرين من ابناء شعبنا ، وقلما يلتقي اثنان في الفلسفة لكونها خضم واسع من الأفكار المتلاطمة .

وكان عام 1258 م حيث وقعت بيث نهرين تحت سيطرة قوات هولاكو الذي نشر الرعب والدمار في المنطقة بكاملها ، وقد تمكن الآشوريين النساطرة من خلق علاقة ودية وثيقة مع حفيد جنكيزخان ، وطلب هولاكو عندئذ اعتناق الديانة المسيحية وان كان لا يعلم عمق الخلافات المذهبية بين المسيحيين انذاك ، وربما كان يحلم من وراء ذلك ان يصبح زعيما للعالم باعتناقه هذا المذهب بموافقة المجمع المسكوني ، إلا ان خوف البابا من الموافقة على هذا الطلب كان شديدا وذلك خوفا من اعتناق هذا الأمير المذهب النسطوري وعندئذ سيقوى مركز النساطرة وتكون الزعامة الكنسية لهم وبذلك يفقد البابا زعامته على العالم المسيحي .
فكان طبيعيا ان يماطل البابا ويتهرب من الرد املا منه بان يغير حفيد جنكيزخان رايه ويدخل مذهب روما ، ولما طالت المماطلة وتاخر الرد ثارت ثائرة هولاكو واعلن دخوله وكافة اتباعه الديانة الاسلامية ، وشن اثر ذلك حربا شعواء على المسيحيين المتواجدين في تخوم دولته انتقاما من رفض طلبه ، وظل يلاحق القوات المسيحية حتى اسقط اخر معقل لهم .

وما ان قويت السلطة العثمانية حتى وقع العرب انفسهم تحت سيطرتها ، وما ان انهى العثمانيون فتوحاتهم وتاسيس امبراطوريتهم حتى بدات تتارجح بين مد وجزر من ناحية القوة والضعف ، وكان شعبنا في هذه الفترة يعيش كمواطن من غير حقوق ، لا بل كسلعة لقضاء الحاجات الخاصة ، كما بدات البعثات التبشيرية الأوربية في هذه الاثناء تطالب بالحقوق على نشر مذاهبها بين المسيحيين المتواجدين ضمن الدولة العثمانية وذلك لغايات سياسية مقابل تنازلات معينة من حكومات هذه البعثات ، وقد تمكنت معظم هذه الدول الأوربية من انشاء جماعات مذهبية تابعة لها وكانت كل دولة تدعي حق حماية المسيحيين التابعين لها مذهبيا ، وذلك لغايات سياسية معينة ، والدولة التي كانت تنال الحظية عند الدولة العثمانية كانت تحاول الضغط وممارسة الأضطهاد على مسيحيي اتباع مذهب الدولة الأوربية المناهضة لها ، وحث الدولة العثمانية والشعوب المجاورة على مضايقتهم ، وادى هذا الى حدوث مجازر رهيبة ومتعددة ضد المسيحيين الآشوريين في الشرق ، والذين اصبحوا من اتباع مذاهب دينية متعددة ، وقد بلغ عدد هذه المجازر ثمانية مجازر إبادية ابتداءا من عام 1505 ومرورا بعام 1714 ـ 1882 م ، وكانت اشنعها مجازر عام 1915 ـ 1933 م التي كانت بتخطيط من دوائر المخابرات الاوربية وخصوصا الانكليزية ، التي لها سجل اسود في تاريخ شعبنا ، ووصفها يوسف مالك في كتابين له هما ( الخيانة البريطانية للآشوريين ) و ( فواجع الانتداب في حكومة العراق ) وهما مرجعان لا غنى عنهما لكل من يود الأطلاع على اللعبة الخبيثة التي لعبتها بريطانيا بحق شعبنا ، وستبقى هذه وصمة عار على جبينها على مدى الدهور .

ادت هذه الاحداث والمجازر إلى افناء اكثر من مليوني شخص من الشعب الآشوري بجميع طوائفه ، ومن هنا نرى ان الصراع السياسي للدول الاستعمارية الاوربية واطماعهم في السيطرة على الشرق ، كل هذه الامور انعكست سلبياتها على تواجد الشعب الآشوري من قبل السلطات العثمانية والشعوب المسلمة المتواجدة معها ، وذلك لاعتناقه الديانة المسيحية التي امن بها هؤلاء الاوربيون .
وقد جاءت البعثات العلمية للآثار والتنقيب في القرن الثامن عشر واظهرت للملأ بعض الآثار للحضارة الآشورية للعالم ، وغدت الأساطير حقائق وارقام ، وعرف كثيرون الجوانب الغامضة لأساطير بلاد ما بين النهرين .

ولقد بقيت التسمية الأجنبية لأسم وحضارة بيث نهرين من المكتشفات الأثرية سواء كانت عن الحرف المسماري او الآرامي ( اسيريان ) بينما جاءت التسمية في العربية لأسم الشعب باني حضارة بيث نهرين بترجمة الأسم من اللغة الاصلية سواء كانت ترجمتها من النصوص المسمارية او الآرامية والحضارة الآشورية ، وبقي بلغتنا كما كانت التسمية ( ܥܐܡܐ ܐܬܘܪܝܐ عامو اوثورويو ) لارتباطها بالوثنية واستبدلوها بالسريانية التي اطلقت عليهم لكونها اصبحت تعني مفهوم المسيحي وتناسب اسمها مع المبادئ المسيحية واخذت طابعا دينا بحتا .
لذا فعلى الشعب الآشوري ان يرفض تجزئة قضيته باسماء مختلفة ، بل ان الاسماء المختلفة بكاملها تعني قضية واحدة ، وهي قضية الشعب الآشوري وبلغتنا ( عامو اثورويو ) ، بينما التسمية السريانية ، حسب الترجمة اليونانية اذا اخذت بمعنى قومي فانها تعني انفصال التسمية عن تاريخ بيث نهرين القديم ، اي ان الحضارة الآشورية قد انقرضت وبدات حضارة جديدة لشعب جديد ، إذ ان من المتعارف عليه ان سقوط امة معينة لا يعني انقراض الشعب باني الحضارة ، وقد بينا سابقا ان الشعب الآشوري لم ينقرض بسقوط دولته بل ظل محافظا على نفسه وعاداته وتقاليده ولغته ووجوده الى يومنا هذا وذلك ببراهين اثبتناها سابقا .
فالشعب كبشر يبقى مستمرا ، الا ان استمرارية بقاءه الحضاري هو الذي ينتهي فيذوب بغيره من الشعوب المغيرة او المستعمرة .
فانقراض الفرعونية مثلا لا يعني انقراض الفراعنة كبشر ، بل انقراض الاستمرار الحضاري للفراعنة وذوبانهم في الحضارة العربية الأسلامية ، وكذلك اراميي حماة ودمشق وحلب ، فاستمرارهم كبشر لا يزال موجودا الا ان ما انقرض هو استمرارهم الحضاري .

لذا نحن ناخذ التسمية السريانية بمعنى الآشورية حرفيا ، ولا ناخذها بمعنى حضارة جديدة ، اي انه لم ينقرض الأستمرار الحضاري للشعب الآشوري ، بل بقي مستمرا ولو بتسميات والقاب مختلفة ، وبقي محافظا على مقوماته القومية كالعادات والتقاليد والفن والادب والتاريخ واللغة والكيان ، بالرغم من انه قد فقد السلطة والاستقلال السياسي ، وان التسمية الجديدة التي اطلقت على شعبنا تحت ظروف جديدة ، لا تعني شعبا بل لقبا ، ولا تؤخذ التسمية بمعنى شعب جديد دخل الى بيث نهرين ، ومن المعلوم ان شعبنا خلال التسمية السريانية لم تقم سلطة سياسية مستقلة وتراث حضاري خاص به ، بل انه تمكن من المحافظة على سماته وخصائصه القومية التي كونها خلال فترة حضارته الآشورية ، ومجموع ما قدمه شعبنا خلال فترات استعماره فذلك ينتمي الى تراث الشعوب المستعمرة ، بل ان الأمكانيات والقدرات الفنية والعلمية لشعبنا كانت تخدم تراث وحضارة الشعوب المغيرة .
لذا لا يصح ان تطلق علينا التسمية السريانية بمعنى شعب دخيل على حضارة بيث نهرين الآشورية ، بل نحن اصحاب وبناة الحضارة ، وان كان قد مر شعبنا بالقاب مختلفة خلال تاريخه الطويل ، وحتى انه يكاد يضيع اسمه الحقيقي الآشوري ، ولكنه ظل هو هو باستمراره القومي وبتراثه الحضاري .
لذا نحن ناخذ تسمية شعبنا من اثارنا ومخلفاتنا الحضارية ، وليس من الألقاب والترجمات الحرفية للغات معينة والتي اطلقت علينا في فترة وقوع شعبنا تحت حكم سلطات استعمارية ، وعندما كان مغلوبا على امره ، وقد تعددت الأسماء والألفاب في القرنين التاسع عشر والعشرين حتى بلغت خمسة طوائف دينية وتباعدت افكار هذه الطوائف بسبب جهود المبشرين الأوروبيين .

وما نريد ان نعلنه هو اننا لا نتدخل بشؤون المذاهب الدينية لشعبنا ، بل نحترم الشعور الديني لكل طائفة ، وان قضية شعبنا القومية لا علاقة لها بالتسميات المذهبية الدينية التي امن بها شعبنا لأن القومية والدين شيئان مختلفان وغير متناقضان لأن لكل منهما مجاله وطريقه الخاص ، فالكنيسة مجتمع روحي وديني وعلاقتها مع الله ، وهي مخصصة للعبادة وتبرئة ذمة الانسان مع خالقه ، فهي اذا شيئ جامع يجتمع تحت لوائها البشر من كافة الجهات والاطراف ، فهي مبدا عام لكل البشرية لكونها تبشر بالعقيدة الدينية بين جميع الناس ، وقد ينتمي الى الكنيسة الواحدة افراد من قوميات متعددة ، وكامثلة على ذلك اعتناق اكثرية الشعب الصيني للبوذية ونشوء تنافس بينها وبين الكونفشية ، وحينما كانت تسيطر البوذية كان الفرد يعتنق دينيا المبدا البوذي وقوميا يبقى صيني ، وحيثما كانت الكونفشية مسيطرة كان الفرد يعتنق المبدا الكونفشي من الناحية الدينية وقوميا يبقى صيني ، وهكذا نرى بجلاء ان انتقال البوذية الهندية المنشئ الى الصين لم تحمل معها اية عقيدة قومية هندية لكونهما مذهب ديني وهي عبارة عن علاقة الفرد وخالقه ، اما القومية فهي رابطة اجتماعية سياسية تعني انتماء الفرد الى امة معينة وولاءه لهذه الامة ، فالقومية هي سمة مميزة لشعب معين ذو صفات معينة وخاصة ، وتتميز القومية بغيرتها على هذه الصفات والمحافظة عليها من الانقراض واحياء ما اندثر منها وتطوير ما تبقى منها للمحافظة على سماتها المعينة ، التاريخ ، اللغة المشتركة ، الارض ، العادات والتقاليد ، اما الدين فليس محصورا بقومية معينة او دولة معينة .

في إحدى محاضراته قال الملفان المرحوم يوحانون سلمان ( لقد هدانا عدد من الرواد من بني قومنا كاشور يوسف ونعوم فايق واغا بطرس والقديس المطران يوحنا دولباني ، الى اسمنا الحقيقي قوميا وهو اننا ابناء امة اشورية واحدة تضم كافة ابناء الطوائف المذهبية : ابناء كنيسة الشرق القديمة ، والكنيسة الكلدانية ، والكنيسة السريانية الاوثوذكسية ، والكنيسة السريانية الكاثوليكية ، والكنيسة السريانية الانجيلية .
لقد انا لنا ان نتخلص من الرواسب الماضية ، ان دعوتنا هذه هي دعوة زعمائنا القوميين الذين اسلفت ذكرهم ، ليس ضد اي مذهب او اي كنيسة او اي رجال دين ، هل نختلف نحن عن اي امة من امم العالم ؟ لكل امة من امم العالم حتى الشعوب الصغيرة التي تحررت حديثا من الاستعمار ، اسم قومي يوحدها ويجمعها ولا يتعارض والاديان والمذاهب العديدة التي ينتمي اليها افرادها ، فلماذا ننفر نحن بفعل الرواسب المذهبية المتراكمة في عقلنا الباطن من الانضواء تحت لواء قوميتنا ، ونصر على البقاء الى الابد طوائف صلواتية كاننا لقطاء لا اصل لنا ولا اجداد ولا تاريخ ) .

في كتابة ـ حركة الترجمة والنقل في العصر العباسي ـ قال الأستاذ : موسى غزال : ( ومهما تعددت هذه المذاهب والمعتقدات والفرق ، فانهم يرجعون باصولهم الى اصل واحد وجنس واحد ولغة واحدة ودم واحد وفكر واحد ساهم في نقل الحضارة الانسانية في مختلف المجالات ) .
وخلال زيارة قداسة البطريرك ما اغناطيوس زكا الأول لمطرانية الكنيسة الشرقية ( الآشورية ) في تريشور ـ الهند ، قال : ( عندما دخلنا كنيستكم ، شعرنا اننا في كنيستنا ، ويجمعنا معا تاريخ مشترك وحضارة واحدة ولغة واحدة ) .

وجاء في كتاب ـ الخيانة البريطانية للآشوريين ـ للأستاذ يوسف مالك ما يلي : ( رغم ان الآشوريون يمثلون امة واحدة ، وانهم الورثة الحقيقيون للامبراطورية العتيدة ، الا انهم منقسمون مذهبيا الى خمسة طوائف دينية ، حيث يقوم لكل طائفة منها ممثلها الديني الخاص ، وسلطة كنيستها المميزة ، اما الطوائف الخمس فهي :

النساطرة ، الكلدان ، السريان الكاثوليك ، الموارنة واليعاقبة .

ان هذه الأنقسامات الشكلية كانت قد ظهرت اولا في القرن الخامس الميلادي بسبب الانشقاقات اللاهوتية في الكنيسة الشرقية ، وليس بالامكان فهم الآشوريين ككل ، الا اذا ميز المرء الفارق بين الدين والقومية ، لأن الدين في الشرق كان قد اصبح منذ اقدم العصور وتحت تاثير العوامل الخارجية مرادفا للقومية ، ولكن بالتاكيد هناك ثمة فارق بينهما ولا يزال ، ان المشكلة التي تطرحها هذه الطوائف العديدة ليست اكثر من مشكلة لاهوتية ، وتعود بحد ذاتها الى المسيحية ، وليس الى القومية ، ورغم كونهم جميعا اصدقاء المسيح ، إلا ان لكل واحدة منها اجوبة مختلفة حول السؤال عن اقانيم المسيح .
ان ملاحظة واحدة تكفي لتدل على ما سبق ان السلطات فيما اذا تناول حديثها طائفة اليعاقبة او كنيسة اليعاقبة مثلا ، فانها لا توحي بوجود قومية يعقوبية .

فاذا كانت هذه الأمور واضحة من هذه الناحية ، فلماذا نرى او بالاحرى كيف يمكننا ان نرى شعبنا الآشوري المنتمي الى عدة مذاهب دينية وقد انطلق ليجعل من كل مذهب ديني قومية بحد ذاتها .
وتتوضح الفكرة هذه في اذهان بعض من ابناء شعبنا متناسين الناحية القومية او انه لم يعد بامكانهم التمييز بين ما هو ديني وما هو قومي ، فهل يا ترى يمكننا اعتبار المسلم الباكستاني او المسلم التركي عربيا لأنه مسلم ونفقده قوميته الباكستانية او التركية ؟ او اعتبار الشعب الانكليزي منتميا لقوميتين لأنه ينتمي لمذهبين كاثوليكي وبروتستنتي ؟ .

قال الدكتور بيره سرمس في كتابه ـ من نحن ـ : ( اي عنصر في هذا العالم المترامي الأطراف له اسم ذاتي يكنى به ، كل كائن حي يحمل اسما خاصا ، وكل مخلوق ناطق يعرف اسمه جيدا واسم ذويه وامته ، عدا الرضع وفئة من المجانين ، ونحن والحمد لله ، لم نختلف يوما عن مركبة الركب الانساني ولم نفقد ذاكرتنا وعقولنا ، فعلام اذا نتسمى بسبعة اسماء مختلفة ، وكيف تعترف بنا حكومات الدول التي نعيش بين ظهرانيها ، وكيف يعترف بنا الجيران والأجانب ، بينما نحن في ريبة من اصلنا والمنبع الذي منه نبعنا ؟ ) .

ان العلة الرئيسية لسوء حظنا وتاخرنا كامنة في اعماقنا ، وهذا النكران للذات راسخ في صدورنا وجماجمنا ، في دناءة قلوبنا وارادتنا ، وفي سبل افكارنا غير المصقولة والمهددة .
ان الأنا والقبلية والطائفية ، الماثلة امام ابصارنا كعين الشمس ، والتي تعكر وتكدر رؤيتنا لئلا نبصر الطريق التي ستقودنا عاجلا ام اجلا الى موارد الضياع والتهلكة ...................................

.................. إعداد : فهمي ماروكي................منقولة.....مهما اختلفت التسميات..فنحن شعب..واحد..تاريخ .لغة تقاليد ديانة......مع تحيات اشوري كلداني سرياني........واحد

tiger
قنشريني جديد
مشاركات: 29
اشترك في: الجمعة فبراير 16, 2007 7:08 pm

Re: تاريخنا المشترك.....

مشاركة بواسطة tiger » الثلاثاء فبراير 03, 2009 1:18 pm

بارك الرب جهدك و تعبك .... :qenshrin_flower:
النفوس القوية لا تعرف اليأس .....

أضف رد جديد