موت ملك ....

خاص بكل ما يتعلق بالسريان والسريانية
أضف رد جديد
tiger
قنشريني جديد
مشاركات: 29
اشترك في: الجمعة فبراير 16, 2007 7:08 pm

موت ملك ....

مشاركة بواسطة tiger » الجمعة إبريل 06, 2007 6:03 pm

لم تستعد بلاد الرافدين الاستقرار والهدوء بعد سقوط الدوله البابلية، إلا بعد 500عامآ من النزاعات والحروب ألمحليه و أنظمه الحكم الصغيرة، وذلك عندما تمكن الآشوريون الذين كانوا قد أقاموا دولتهم في شمال العراق واتخذوا من نينوى عاصمه لهم ثم تمكنوا من بسط سيطرتهم وسلطانهم على بلاد ما بين النهرين بأسره، بما في ذلك العاصمه القديمة بابل. بل أنهم نجحوا بإقامة إمبراطورية عملاقة.

والآشوريون الذين لم يكونوا غرباء عن بلاد الرافدين. إذ كانوا متواجدين في أعالي نهر دجله منذ آلاف السنين، ثم تمكنوا من تأسيس إمبراطورية قويه وواسعة، تواصل على استلام عرشها 116ملكأ، وبذلك فأنها كانت الأكثر استقراراَ من سابقاتها من الإمبراطوريات والدول، بما في ذلك دوله بابل العظيمة التي لم يتوارث الملك فيها إلا 36 ملكاَ.



في الدولة الآشورية ( 17 ـ 605 ق.م) ازدهر الأدب والفن، وتطورت المنجزات وتجاوزت عما كانت عليه في العهود السابقة، وكان ذلك مترافقاَ مع الاستقرار السياسي واتساع نفوذهم الذي بلغ سواحل الخليج العربي جنوباَ، ودوله عيلام شرقا, وحتى جبال ارمينيا شمالاَ، والى البحر المتوسط غربا ( بحر آمور العظيم) بما في ذلك قبرص ومصر وشبه الجزيرة العربية. إمبراطورية وقوة عظمى .

وقد اكتسب الملوك الآشوريون المجد، ومنهم على سبيل المثال الملكه شامورامات وهو ما يعني الاسم الجميل وتعرف أيضاَ باسم سميراميس, وقد نالت المجد بفضل سياستها الحكيمة ودولتها ذات الاجهزه الإدارية المحكمة، وبميلها إلي الفن المعماري. ومنهم أيضاَ الملك سرجون الذي كان يحمل لقب (الجندي الشجاع)بسبب قيادته الناجحة للجيوش، وكذلك الملك سنحاريب الذي اشتهر بميله إلى الأعمار ويشهد السد وقناة للري التي تحمل أسمه روعة هذا المنجز الهندسي الخالد.

الحكام الآشوريون كانوا مأخوذين بسحر وروعه الفنون والثقافة في بابل , وفخورين بأن تضم دولتهم هذه المدينة التاريخية العظيمة السابقة لهم في الحكم والمجد. ولكن لم يكن بوسع البابليين التصور والتحمل أن لا تكون بابل مدينه الثقافة العظيمة عاصمه للإمبراطورية، رغم أن الآشوريون فعلوا كل شي لأن تتحد عاصمتهم الجديدة مع العاصمة القديمة في لغة و آله، مشتركة. كما حرص ملوك الآشوريون على الزواج من سيدات بابليات من اجل المزيد من توثيق العرى .



وكان الملوك الآشوريين قد شيدوا عاصمه جديدة حملت اسم دورشاروكين، ويطلق عليها أيضا اسم (خرصباد) لا تقل روعة وعظمة عن بابل. إلا أن وفاة الملك اسرحدون كانت قد جلبت بداية النهاية لوحدة الدولة وكيانها، إذ اندلعت الصراعات بين الإخوة حول مناطق الإمبراطورية، ومن جهة أخرى كان اتساع رقعة الإمبراطورية عاملا مساعدا لهذا التمزق، فعادت الدول الصغيرة إلى البروز في بلاد ما بين النهرين، وكذلك الحروب المحلية وكان ذلك يدور حوالي 660 ق. م .



* * * * *



كان ساردانبال آخر ملك آشوري في بابل وسعياً إلى السلطة والعرش تآمر ضده قائد جيشة الميدي، وحدث ذلك في وقت من السنة كانت فيه مياه نهر الفرات قد فاضت حتى بلغت إرجاء قصره فساهمت مع المتآمرين في تعجيل سقوطه .

وعندما أدرك الملك ساردان بال عدم جدوى القتال و المقاومة وإراقة الدماء، قرر الانتحار مع زوجاته وحاشيته. وقبل ذلك قتل خيوله الاصيله وكلاب الصيد النادرة، ثم سكب العطور والمشروبات الكحولية على عرشه وأضرم النار في نفائسه وأعز ما يملك، وجلس بكل كبرياء في شرفة قصره المطل على نهر الفرات وحدائقها الغناء، منتظراَ أن يتصاعد اللهب ليجلب الموت الذي ارتضاه .

ترى هل كان ساردانبال رجلاً تحجرت فيه عواطفه؟... أم ترى انه اختار نهايته على هذه الصوره كإنسان أختار نهاية شاعرية رومانسيه، وليس كملك يفكر حتى أخر لحظه بالسلطة و السلطان؟



هذه الرؤى حركت خيال الرسام الفرنسي يوجين ديلاكروا (1798–1863) فحولها إلي لوحه شهيره تحمل اسم (موت ملك) التي يصفها بعض النقاد بأنها من أجمل أعمال ديلاكروا مع روائعه الأخرى ومنها لوحته الرائعة (الحرية تقود الشعب) .

وهذة اللوحة الرائعه والتي هي بحجم 395×495، رسمت عام 1827 بالزيت على قماش الكتان، هي اليوم من روائع متحف اللوفر بباريس. وهي تصور الملك الآشوري/البابلي ساردانبال وهو يجلس على عرشه بكل كبرياء يتطلع بشجاعة ممزوجة بالعطف إلي قتل نسائه وخيوله. انه لمنظر يصور الجمال والنعومة والوحشية في آن واحد .



ساردانبال الإنسان كان قد قرر أن لا يسقط هذا الجمال ضحية للعدوان والوحشية، وكذا نفائسه غنيمة بيد المعتدي، ساردانبال وهو الفارس الشجاع، المحب للسلام والمبغض للحروب، ليس بسبب التخاذل آو الخوف، ولكنها الشجاعة النبيلة أملت الموت حرقاَ محتضناَ اللهب. على هذا النحو أراد ديلاكروا آن يعرض اللحظات الأخيرة من حياة الملك ساردانبال......

الموت محترقأ مع النفائس والجمال .

فقد سأل صحفي مرة الكاتب المسرحي الشهير جان كوكتو : ماذا تفعل إذا شاهدت دارتك الجميلة بكل ما تضم من كتب رائعة ولوحات الأصيله التي أهداها لك أصدقاؤك الفنانون، وكذلك تحفك الثمينة، وقد شبت النيران في كل ذلك ؟

فأجاب كوكتو على الفور : إذن احتضن ذلك اللهب الرائع بين ذراعي .



أما الشاعر البريطاني بايرن (اللورد جورج بايرن 1788-1927) وهو مناضل قضى من اجل الحرية في اليونان وهو في شبابه، فأنه اطلع على هذه الدراما ثم شاهد اللوحة الرائعة لديلاكروا، وكتب واحدة من قصائده الرائعة .



هكذا بايرن يتخيل خطاب ساردنبال كلماته الأخيرة المتأخره ! ...



كم أحببت وكم عشقت ....

كم مارست الخيال في حياتي .

لم أدع لحظة واحدة من الحب تفلت من يدي

ولكنه الموت....

أنه ليس غريب عني

أنه أسهل مما نتخيل ونتصور ...

حقا ...أنني لم أدع قطرة دم واحدة تهدر عبثا

ما يملأ منه البحار ...

كسيد، لم افعل ذلك

أن يطبع اسمي مقرون بالموت في كل مكان

كان بوسعي أن افعل كل ضروب الرعب

التي تخلد كذكريات للنصر

ولكني لم افعل ذلك ...

ولست نادم على ذلك ...

فحياتي هي الحب

أكثر نقاء وصفاء

من مياه الأنهار

ولكن عندما يكون أهراق الدماء ضرورياَ

لذلك ....

فأنا فخور بأني لم أضحي بقطرة دم من أجلي ...

من شرايين ابناء آشور

وإذا شاءوا بعد ذلك أن يكرهوني ...

فذلك

لأنني لا احمل في قلبي الكراهية

وإذا ثار بوجهي عصاة، فلأنني لست بطاغيه

كم أنتم رجال سيئون..

لا ترتضون يدا تحمل الصولجان

بل يدا تضرب بالسيف ..


[align=left]د.ضرغام عبدالله الدباغ [/align]
النفوس القوية لا تعرف اليأس .....

tiger
قنشريني جديد
مشاركات: 29
اشترك في: الجمعة فبراير 16, 2007 7:08 pm

مشاركة بواسطة tiger » الجمعة إبريل 06, 2007 6:06 pm

صورة


Eugene Delacroix : 1798 - 1863
النفوس القوية لا تعرف اليأس .....

أضف رد جديد