أفسس الثاني وخلقيدونية - وجهان لعملة واحدة

أخبار ـ نشاطات
أضف رد جديد
Abu Julian
قنشريني مميز
مشاركات: 353
اشترك في: الثلاثاء أغسطس 30, 2005 10:41 pm

أفسس الثاني وخلقيدونية - وجهان لعملة واحدة

مشاركة بواسطة Abu Julian » الاثنين أغسطس 18, 2008 9:55 am

الأخوة الأحباء،

إني أقوم ببحث لنيل درجة الدكتوراه من كلية اللاهوت في جامعة في أمستردام، بعنوان "معالم الوحدة المسيحية - وجهة نظر شرق أوسطية". ولا أزال في البدايات، وبالتحديد في تاريخ الكنيسة... وما أكتشفه يوماً بعد يوم لا يسرّ الخاطر أبداً...

اود هنا ان اطرح عليكم استنتاجاً قد يحبذه البعض ويقاومه الآخر!... ولكني كلي ثقة بعقولكم النيرة وقلوبكم التي تنشد الوحدة والأخوة والسلام الشامل في كل أطراف الكنيسة المقدسة:

(الكنيسة والروح القدس كانا غائبين. نسطور أشعل الفتيل. صار كل تعريف لطبيعة السيد المسيح يثير جدلاً وشكوكاً، ويُنعت بالنسطورية. الجانب الشرقي قال بطبيعة واحدة متحدة بشكل يفوق الوصف، متهرباً من إعطاء تعريف دقيق. الغرب تجرأ وقال بشخص واحد للسيد المسيح من طبيعتين بعد الولادة. ثار الشرق واتهمه بالنسطورية.

أفسس الثاني جرّم أسقف القسطنطينية الذي عقد مجمعاً وأدان أوطيخا وحرمه، ولكنه في نفس الوقت نادى بطبيعتين للسيد المسيح. دافع المجمع عن أوطيخا الذي راوغهم وغيّر كلامه، فرفع عنه الحرومات، وأدان أسقف القسطنطينية وبضعة أساقفة آخرين.

عاد أوطيخا لهرطقته، فأدانه مجمع خلقيدونية، وحرم ديوسقورس (رئيس مجمع أفسس الثاني) لأنه قبل أوطيخا وحرم أسقف القسطنطينة، على أساس أنه لا يحق لديوسقوروس أن ينادي بمجمع دون موافقة الأساقفة الآخرين. وثبّت عقيدة الطبيعتين للسيد المسيح.)

لفظة "طبيعتان" لم يستخدمها آباء الكنيسة في المجامع المسكونية الأولى. وهذا ما أدخله / فرضه مجمع خلقيدونية دون مراعاة لرأي الشرق. واحتاج الأمر 15 قرناً حتى يلتقي الطرفان في فيينا في القرن العشرين لطرح هذه المسألة والوصول إلى تعريف يرضي الطرفان، وأن يكتشف الطرفان أن لهما نفس "روح" الإيمان الذي فرّقته "الألفاظ"! ربما كانت روح العصر في القرن السادس لا تسمح بهذا اللقاء، حتى أتى القرن العشرون.

برأيي، لا آباء أفسس الثاني ولا آباء خلقيدونية أخذوا بعين الاعتبار جماعة المؤمنين. فقد اجتمعوا دون روح، يملأهم الحقد والغضب على بعضهم البعض. الأمر الذي مزّق جسد الكنيسة إلى إرب!

ألا نخجل من أنفسنا من رجل مثل "كالفن" عندما قال: "الغاية من المجامع المسكونية أن يكون لها سلطان تعليمي مؤقت وليس مطلقاً"... أي تصحيح المعوّج في حينه، ورد القلوب إلى القلوب!... برايي، كل مجمع لا يجمع مع الرب، فهو يفرّق!... وليست مشيئة الله فيه!...

كان بالإمكان – وبكل بساطة – أن يجلس الرؤساء على طاولة واحدة ويشرح كل طرف ما يقصده بالضبط من لفظة "طبيعة" أو "طبيعتان" ويتوصلون لمفهوم واحد مشترك! ألهذه الدرجة استطاع إبليس أن يراوغهم ويشعلهم بهكذا ترّهات!...

يا إلهي!.... يا ليتني لم أبدا ببحثي هذا عن تاريخ الكنيسة!... وكما أرجو أن يعوّضني بحثي عن معالم الوحدة عن هذه الصفحات المظلمة المؤلمة!...

كبرئيل
قنشريني مميز
مشاركات: 661
اشترك في: الجمعة مايو 04, 2007 10:58 pm
مكان: سوريا / Assyria
اتصال:

Re: أفسس الثاني وخلقيدونية - وجهان لعملة واحدة

مشاركة بواسطة كبرئيل » الثلاثاء أغسطس 19, 2008 11:50 am

الأخ أبو جوليان العزيز ...

أولاً أود توضيح بعض النقاط الأساسية " ولنسميها " اللاحقة والحديثة لتلك المجامع المقدسة أي
مجمع فيينا 1971 التي دعت إليها مؤسسة برو أورينتا "نحو الشرق" في النمسا، وحضر اللقاء الأول قداسة البابا شنوده الثالث (وكان وقتها أسقف التعليم والمعاهد الدينية) و المثلث الرحمات البطريرك يعقوب الثالث بطريرك السريان أرثوذكس ، وقادة رجل الدين الكاثوليكيين وصدرت عن هذا اللقاء وثيقة كانت النواة للوثائق التي وقعت فيما بعد حول الاتفاق بين الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية بشأن طبيعة السيد المسيح، وجاء في هذه الوثيقة :

"إننا نؤمن بأن ربنا ومخلصنا يسوع المسيح هو الله الابن المتجسد، تام في لاهوته وتام في ناسوته، لم يكن لاهوته منفصلاً عن ناسوته لحظة واحدة ولا لمحة بصر، وأن ناسوته واحد مع لاهوته دون اختلاط ولا امتزاج ولا انقسام ولا انفصال، فنحن في إيماننا المشترك بربنا الواحد يسوع المسيح نعتبر سره الفائق الوصف واللا متناهي، ويعجز العقل البشرى عن استيعابه".

هذا أخر صياغة لموضوع الطبيعة والطبيعتين بين الكاثوليك والأرثوذكس ونهاية للجدل الذي مضى عليه قرابة ال1500 سنة .فشخصياً لا أحبذ أن يعيد الباحثون " نبش " خلافات عقائدية سابقة ، وذلك لأن قادتنا الروحيون انتهوا منها واتفقوا على صيغة توحد الأطراف كما ذكرتم حضرتكم في موضوعكم أعلاه ...

وأعيد مرة أخرى ما أقصده أنه لم يعد هناك خلاف يسمى بالطبيعة والطبيعتين بين الكنائس الخلقدونية واللاخلقيدونية ....ولذا أتمنى أن نتجاوز إعادة نبش تلك الخلافات في العقائد من جديد

لي بعض التعليقات إن سمحتم حضرتكم بإلقائها هنا وهي :

الجانب الشرقي قال بطبيعة واحدة متحدة بشكل يفوق الوصف، متهرباً من إعطاء تعريف دقيق.
الغرب تجرأ وقال بشخص واحد للسيد المسيح من طبيعتين بعد الولادة. ثار الشرق واتهمه بالنسطورية.


اسمحوا لي أن أعبر عن مفهومي وحسب ما قرأته وتعلمته في هذا المجال ...

الجانب الشرقي قصدتم فيه " الكنائس الأرثوذكسية الشرقية اللاخلقدونية ، أي تلك التي لم توافق
على مجمع خلقيدونية 451 م


الجانب الشرقي كما تسموهوا حضرتكم أستطيع أن أقول أنه :
نادى بطبيعة واحدة للسيد المسيح من طبيعتين .
والجانب الغربي كما تسموهوا أيضاً :
نادى بطبيعتين في السيد المسيح .

فبداية الخلاف كان على أحرف الجر : " من و في "

الشرقيون يقولون : من طبيعتين في طبيعة واحدة ...
الغربيون يقولون : ... السيد المسيح في طبيعتين
ولكنكم ذكرتم :
" والغرب تجرأ وقال بشخص واحد للسيد المسيح من طبيعتين بعد الولادة "
الـ " من " هي أرثوذكسية شرقية والـ " بـ " أو" في طبيعتين" هي كاثوليكية غربية لاخلقيدونية وليس العكس كما ذكرتم حضرتكم وهذا ما أود أن تعيدوا النظر فيه بشكلٍ دقيق وسليم وإلكم هذا المرجع بخصوص بداية الخلاف العقائد من خلال فلسفة أحرف الجر " الحوار اللاهوتي ،المداولات الغير رسمية بين الكنائس الشرقية الأرثوذكسية والكاثوليكية إعداد ،برو أورينتا ترجمة إلى العربية الدكتورة مارسيل الخوري طراقجي " دار النشر ، الرها ماردين "

تجذر عن هذه الفلاسفة عقيدتين كبيرتين هما " الخلقيدونية واللاخلقيدونية "
أي الكنائس الأرثوذكسية الشرقية من سريان وأقباط وارمن
وكنائس لاخلقيدونية من كاثوليكية وملكيون

أما بالنسبة لعبارة ان الجانب الشرقي تهرب من إعطاء تعريف دقيق ، صراحة لا أوافقكم على هذا الرأي ...

لأن آبائنا السريان أو الأقباط حتى بشكل كبير ساهموا في شرح العقيدة الأرثوذكسية اللاخلقدونية
بشكل يفهمه حتى البسطاء وعامة الشعب باستخدام الأمثلة القريبة من الحياة العملية ... وسأقوم بتزويدكم في نهاية ردي على رابط ملف PDF يحوي تلك الأمثلة ...

برأيي، لا آباء أفسس الثاني ولا آباء خلقيدونية أخذوا بعين الاعتبار جماعة المؤمنين. فقد اجتمعوا دون روح، يملأهم الحقد والغضب على بعضهم البعض. الأمر الذي مزّق جسد الكنيسة إلى إرب
ألا نخجل من أنفسنا من رجل مثل "كالفن" عندما قال: "الغاية من المجامع المسكونية أن يكون لها سلطان تعليمي مؤقت وليس مطلقاً"... أي تصحيح المعوّج في حينه، ورد القلوب إلى القلوب!... برايي، كل مجمع لا يجمع مع الرب، فهو يفرّق!... وليست مشيئة الله فيه!...

كان بالإمكان – وبكل بساطة – أن يجلس الرؤساء على طاولة واحدة ويشرح كل طرف ما يقصده بالضبط من لفظة "طبيعة" أو "طبيعتان" ويتوصلون لمفهوم واحد مشترك! ألهذه الدرجة استطاع إبليس أن يراوغهم ويشعلهم بهكذا ترّهات!...

يا إلهي!.... يا ليتني لم أبدا ببحثي هذا عن تاريخ الكنيسة!... وكما أرجو أن يعوّضني بحثي عن معالم الوحدة عن هذه الصفحات المظلمة المؤلمة!...



أمر معقول جداً ...ولكننا صراحة لم نكن هناك ولا نعلم خلفيات الحوادث كون كل مؤرخ
كتب على هواه وميله إلى أحد الأطراف ، ولكننا الآن والحمد لله نعيش في عصر النعمة ، فأود تذكركم أيضاً أنه بعد تلك المجامع المسكونية مارست بعض الكنائس اضطهادات على كنائس أخرى وحتى استولت على أديرتها وكنائسها في مناطق أخرى ... ولكن الحمد لله هذا الشيء كما قلتُ سابقاً قد زال الآن ...

أتمنى لكم التوفيق والنجاح في إعداد رسالتكم دكتور أبو جوليان
وأتمنى أن تقبلوا مني هذا المرجع البسيط وهو عبارة عن محاضرة سبق وألقيتها في الأسرة
السريانية الجامعية في حلب " بخصوص هذا التاريخ وهذه العقائد "

رابط المحاضرة التاريخية العقائدية



شكراً

صورة

كبرئيل السرياني
صورة

Abu Julian
قنشريني مميز
مشاركات: 353
اشترك في: الثلاثاء أغسطس 30, 2005 10:41 pm

Re: أفسس الثاني وخلقيدونية - وجهان لعملة واحدة

مشاركة بواسطة Abu Julian » الثلاثاء أغسطس 19, 2008 1:11 pm

شكراً لك أخي كبرييل على التوضيحات القيمة والمفيدة..

في الواقع فكرة انطلاق مشروعي هو "مقررات برو اوريينتي". ولدي تقريباً جميع الكتب من نفس المنظمة. وقد أسعفني نيافة المطران يوحنا ابراهيم ببعض منها ومن غيرها. وكنت عرضت عليه نقاط البحث، ودققها مشكوراً واقترح عليّ غيرها.

وأنا الآن في المرحلة "التاريخية" من البحث. ولم أصل بعد إلى نقطة الانطلاق "برو أوريينتي". وبالتحديد أنا في "مجمع أفسس الثاني" و "مجمع خلقيدونية". وما كتبته لا يتجاوز تلك المرحلة.

((أما بالنسبة لعبارة ان الجانب الشرقي تهرب من إعطاء تعريف دقيق ، صراحة لا أوافقكم على هذا الرأي ...

لأن آبائنا السريان أو الأقباط حتى بشكل كبير ساهموا في شرح العقيدة الأرثوذكسية اللاخلقدونية
بشكل يفهمه حتى البسطاء وعامة الشعب باستخدام الأمثلة القريبة من الحياة العملية ... وسأقوم بتزويدكم في نهاية ردي على رابط ملف PDF يحوي تلك الأمثلة ...)))

صحيح كلامك، ولا اعترض عليه. ولكن لا تنسى أن التعريف جاء بعد أفسس الثاني وخلقيدونية. والتعريف الأمثل جاء في
برو أوريينتي". ولكن للأسف هناك بعض الكنائس لم تقبل به بعد، وأخرى لديها بعض التحفظات. فالروم الأرثوذكس (الأقباط) لا يقبلون به، مثلاً. وقد علمت أن هناك تراجع من قبل الأقباط الأرثوذكس عن موقفهم حياله. على كل حال أنا لم أصل بعد إلى تلك المرحلة من البحث. وساتقصى حينها عن مدى تقبّل وقبول جميع الأطراف له.

شكراً على مقالتك. أكيد سأستفيد منها لاحقاً. وأرجو أن لا تيخل علي باي نوع من الوثائق التي قد تهم البحث.

Abu Julian
قنشريني مميز
مشاركات: 353
اشترك في: الثلاثاء أغسطس 30, 2005 10:41 pm

Re: أفسس الثاني وخلقيدونية - وجهان لعملة واحدة

مشاركة بواسطة Abu Julian » الخميس أغسطس 21, 2008 7:46 am

صورة

أخي كبرييل،

في التوضيح أعلاه لم تذكر الموارنة الذين أصلهم سريان أيضاً.

الكنيسة الأم (الكنيسة السريانية الأنطاكية) يذكرها التاريخ على أنها (كنيسة أنطاكية) فقط. فما هو الدليل على أنها اسمها كان كذلك؟ حسب معلوماتي أن اسم "كنيسة انطاكية السريانية الأرثوذكسية" هو الاسم الحالي لكنيستنا المقدسة (انظر دستور الكنيسة السريانية). وهذه التسمية، هل هي قديمة أم حديثة؟ إذ يقول دستور الكنيسة:

كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية هي التسمية الرسمية لكنيستنا المقدسة، وُتنسب إلى أنطاكية
لأن القديس مار بطرس هامة الرسل أسس فيها كرسيه الرسولي عام 37 م. وفي أنطاكية دعي التلاميذمسيحيين أولا (أع 11
26 ) وكنيستنا هي التي ثبتت الإيمان الرسولي القويم ونشرته في مختلف أنحاء العالم، واستعملت في طقوسها اللغة السريانية، لغة ربنا يسوع المسيح ووالدته الطوباوية ورسله الأطهار.

أرجو أن يوضح لي أحد ما (أنت أو شخص آخر) هذه النقطة بالذات بأدلة علمية أكاديمية. مع شكري الجزيل لكل من يدلو بدلوه في هذا المجال.

George Mawas
قنشريني فعال
مشاركات: 60
اشترك في: الاثنين يونيو 11, 2007 7:44 am

Re: أفسس الثاني وخلقيدونية - وجهان لعملة واحدة

مشاركة بواسطة George Mawas » الخميس أغسطس 21, 2008 10:47 am

لم يكن الانشقاق يوما أمرا لاهوتيا بحتا وانما هو الجانب الفلسفي والديني للتجاذبات السياسية داخل الامبراطورية البيزنطية والأدلة على هذا كثيرة فنرى أن الكفة تميل لصالح أحد الفريقين عندما يكون الامبراطور بصف أحدهم .
ومن الواضح أن روح الشقاق هذه لم تكن من الرب وإنما من الشرير الذي لم يهزم الكنيسة بالاضطهادات الكثيرة فهزمها بالانشقاقات.
أسئل الرب أن يعطينا أن نعود واحدا كما هو والآب واحد
ربنا يبارككم

صورة العضو الرمزية
ليون انتيباس
قنشريني متألق
مشاركات: 1361
اشترك في: الأربعاء يناير 18, 2006 1:07 pm
مكان: Syria / Tartous

Re: أفسس الثاني وخلقيدونية - وجهان لعملة واحدة

مشاركة بواسطة ليون انتيباس » الاثنين أغسطس 25, 2008 5:55 pm

انا لست في صدد الدخول في حوار عن الطبيعة الواحد او الطبيعتين للسيد المسيح لأن هذا الموضوع اتوقع انه انتهى ولا يوجد اختلاف في جوهر الايمان ... ولكن خلال مطالعتي على النت وجدت هذا المقال عن المجمع المسكوني الرابع في خلقيدونيا (451م) من كتاب السنكسار ( الجزء الخامس " حزيران - تموز " )

المجمع المسكوني الرابع في خلقيدونيا (451م)

هذا ما شرعت الكنيسة المقدسة تحتفل به في الأحد الواقع بين 13 و19 تموز بدءاً من العام 518م. ثمة التباس في الميناون عندنا يجعل هذا اليوم شاملاً آباء المجامع المسكونية الستة الأولى. حصل هذا بتأثير القديس نيقوديموس الجبل المقدس بخلاف ما ورد في المخطوطات القديمة.

التأم هذا المجمع في خلقيدونيا سنة 451م بحضور 630 أباً، كما ورد في التراث، رغم أن عدد الموقعين على أعمال المجمع كان ثلاثمائة وخمسين فقط. هؤلاء جاؤوا بمعظمهم من أبرشيات الشرق. كان على رأس هؤلاء، القديس أناتوليوس القسطنطيني وممثلو بابا رومية، القديس لاون الأول ومكسيموس الأنطاكي وجوفينال القسطنطيني. دعا إلى هذا المجمع، الذي ضم أكبر عدد من الأباء قياساً بغيره من المجامع، الأمبراطوران مرقيانوس وبلخاريا. غرضهما كان إعادة السلام والوحدة اللذين تعكرا إثر مجمع أفسس الباطل المنعقد سنة 449م، وكذلك إدانة هرطقة أفتيشيس.

بعد المجمع المسكوني الثالث في أفسس (431م) توصل أنصار المدرستين اللاهوتيتين، الإسكندرية والأنطاكية، ولو بصعوبة، إلى توافق على صيغة الإيمان الخاص بوحدة الطبيعتين في المسيح، الإلهية والبشرية. أفتيشيس كان إرشمندريتاً في القسطنتينية ومعاوناً للقديس كيرللس الإسكندري. فإذ رغب في استئصال كل أثر للهرطقة النسطورية، قال إنّ الطبيعتين الإلهية والبشرية لا يمكن تمييز إحداهما عن الأخرى بعد التجسد وإنّ الطبيعة البشرية للمسيح، بعد التجسد، امتصتها طبيعته الإلهية. وهكذا فيما فصل نسطوريوس مابين الطبيعتين وقع أفتيشيس في الهرطقة المقابلة إذ تكلم على الإمتزاج والانصهار بين الطبيعتين في واحدة: الطبيعة الإلهية. من هذا المفهوم المعروف بالطبيعة الواحدة، بالمعنى الصارم للكلمة، يستنتج المرء أنّ المخلصّ ليس، في الحقيقة، من طبيعة واحدة مع الآب والروح القدس أو أنّه لم يساهم طبيعتنا.

الكنائس القبطية والسريانية والأثيوبية والأرمنية دُعيت كنائس الطبيعة الواحدة عن غير حق لأنها أدانت هرطقة أفتيشيس. لكنها إذ لم تسلّم بالتحديد العقدي لمجمع خلقيدونيا، بسبب التصاقها اللفظي المبالغ فيه بعقيدة القديس كيرللس، بقيت خارج الشركة الأرثوذكسية القويمة. حوار الخلقيدونيين وغير الخلقيدونيين في الآونة الأخيرة أبان أنه لا افتراق حقيقي في المستوى المسيحاني الخريستولوجي بين الفريقين. لكن صعوبات أخرى وثغرات نشأت عن تداعيات خمسة عشر قرناً من الانقسام لا زالت بحاجة إلى معالجة قبل أن يأتي الفريقان إلى الوحدة المرتجاة.

أفسافيوس دوريلي هو الذي كشف في آراء أفتيشيس هرطقة تفسد كل سر الخلاص. بنتيجة ذلك انعقد مجمع في القسطنطينية برئاسة القديس فلافيانيوس أدان الأرشمندريت أفتيشيس سنة 448م. ولكن، بسبب دعم القصر له، نجح في تحويل الأمور إلى صالحه. بعد التدخل العنيف لرئيس أساقفة الإسكندرية، ديوسكوروس، خلال المجمع الصوصي (449م) بُرِّئت ساحة أفتيشيس وأُطيح بالقديس فلافيانوس ظلماً وقضى ضحية المعاملة السيئة التي عومل بها.
فلما مات الأمبراطور ثيودوسيوس الثاني الذي دعم أفتيشيس، دعا بابا رومية وكل الأرثوذكس الأمبراطورين مرقيانوس وبلخاريا إلى رفع الغبن وإصلاح الحال واستعادة السلام بمجمع مسكوني. دعي الآباء، أول الأمر، إلى نيقية في أيلول سنة 451م ثم انتقلوا إلى خلقيدونيا حيث اجتمعوا في بازيليك القديسة أوفيميا. في الجلسات الستة عشر التي امتدت بين 8 تشرين الأول وأول تشرين الثاني، عملوا أولاً على إدانة مجمع أفسس اللصوصي وإقالة المسؤولين عنه، كلاً من أفتيشيس وديوسكوروس، وإعادة الاعتبار للقديس فلافيانوس. وبعدما ذكّروا بإدانة نسطوريوس التي أعلنها مجمع أفسس (431م)، انكبّوا، بخاصة، على دحض مونوفيسيتية أفتيشيس أي القول بالطبيعة الواحدة. وإذ اعتمدوا على تفاهم القديس كيرللس الإسكندري ويوحنا الأنطاكي، سنة 433م، نجحوا في التوفيق بين الإسكندرية وأنطاكية ورومية وأكملوا عمل المجمع الثالث المسكوني (أفسس 431م) محددين، بدقة، عقيدة شخص المسيح المخلص (العقيدة الخريستولوجية).

من جهة أخرى بعد أن دقّق الآباء في حجج أفتيشيس، في ضوء الكتاب المقدس وقررات المجامع السابقة، ألقوا الحرم على كل من يضيف أو يحزف ما يمتّ بصلة إلى إيمان المجامع المسكونية الثلاثة الأولى. وإذ بنوا على رسالة القديس لاون لفلافيانوس، والتي حيّوها كعمود للأرثوذكسية، حرّروا تحديداً إيمانياً قرىء، بصورة رسمية احتفالية، بحضور الأمبراطور، خلال الجلسة السادسة، يوم الثاني والعشرين من تشرين الأول. وهذا ماجاء فيه:

"تبعاً للآباء القدّيسين نعلن، بإتفاق الأصوات، أنّنا نتعرف بواحد أحد الإبن، ربّنا يسوع، الكامل في لاهوته والكامل في ناسوته، وهو الإله الحقّ والإنسان الحقّ ذو النفس العاقلة والجسد، من طبيعة مشتركة مع الآب من جهة لاهوته، ومن طبيعة مشتركة معنا من جهة الناسوت، وهو مثلنا في كل شيء إلاَّ في الخطيئة؛ المولود من الآب قبل الدهور من جهة اللاهوت وهو إيّاه، في الأزمنة الأخيرة، من وُلد من العذراء مريم والدة الإله من أجل خلاصنا بحسب الناسوت: وهو واحد أحد المسيح، الابن، السيد، المولود الفذّ المعروف كما في طبيعتين، من دون تشويش ولا تحوّل ولا انقسام ولا انفصال، الذي لازوال فيه لاختلاف الطبيعتين البتّة بسبب الاتحاد، بل تبقى فيه خاصية كل منها محفوظة وتلتقي بالأخرى في شخص فذّ وأقنوم فذّ؛ مسيح واحد أحد غير موزع ولا منقسم إلى شخصين بل هو السيد الفذّ الواحد يسوع المسيح، الابن الوحيد، الإله الكلمة، كما سبق الأنبياء فأذاعوا، وكما علّمنا المسيح يسوع نفسه وكما نقل لنا دستور إيمان الآباء القديسين".
وجواباً على سؤال الأمبراطور هتف الجميع: "هذا مانؤمن به جميعاً. إيمان واحد. حكم واحد. كلّنا لنا المشاعر عينها. كلّنا وافقنا على الإجماع. كلنا أرثوذكسيّون. هذا هو إيمان آبائنا القديسين. هذا هو إيمان الرسل. هذا و الإيمان الذي خلص العالم... ليعطِ الله سلاماً لملكِك، يا مرقيانوس، قسطنطين الجديد، ويا بلخاريا، هيلانة الجديدة! أنتما مشعلا الإيمان الأرثوذكسي! حياتكما هي ضمانة الجميع. إيمانكما هو مجد الكنائس!".

بتحديد الإيمان هذا، الفذّ بعمقه ودقته، اعترف الأباء القديسون، إذاً، بالاتحاد الحقيقي للطبيعتين الإلهية والإنسانية في الشخص الوحيد لكلمة الله. بفضل إيمان خلقيدونيا الذي دقّقه الآباء، فيما بعد، كالقديس مكسيموس المعترف والقديس يوحنا الدمشقي، نفهم نحن الأرثوذكس، أنه، بالحياة في المسيح، الإله الإنسان، يمكننا أن نتحد بالله، أن نتأله دون أن نفقد هويتنا الطبيعية. ان الاتحاد دون تشويش للاهوت والناسوت في المسيح، بحسب الأقنوم، يصير الاتحاد دون تشويش للطبيعتين، بمقتضى نعمة الروح القدس لدى المسيحيّين. إن هدف الكنيسة التي هي المسيح، الإله الإنسان، ممتداً فيما بيننا إلى نهاية الدهور، وهو الذي يقودنا إلى قياس قامة ملء المسيح (راجع أف 13:4)، أي ملء "الأنسنة الإلهية". كل ينطلق من شخص المخلص وإليه يعود، الكل فيه "إلهي إنساني": العقيدة، الأخلاق، النسك، الصلاة، الليتورجيا، فنّ الإيقونة والموسيقى. الكل فيه إنساني، حسّي وتاريخي، وهو في آن معاً متألّه بالكامل بقّوة الروح القدس، بحيث يكون إيّاه، في الحقيقة، المسيح الذي يحيا في كل من أعضائه وفي كل تجليات جسده المستيكي. إن الإله الإنسان الذي حددّه مجمع خلقيدونيا هو لنا، نحن المسيحيين الأرثوذكس "القيمة العظمى والمعيار الأخير للحقيقة" كما عبر القديس يوستينوس بوبوفيتش، لأن فيه وبه لنا وصول إلى حضرة الله ونقتني كرامة الأبناء.

في الجلسات التي تلت، رتب الآباء القديسون المسائل ذات العلاقة بالنظام والترتيب الكنائساني وسنوا سبعة وعشرين قانوناً أُضيف إليها مرسوم ثبّت القانون الثالث من المجمع المسكوني الثاني الذي يمنح كرسي القسطنطينية – بصفتها عاصمة الأمبراطورية – المكانة الثانية بعد رومية والسلطة القانونية على أبرشيات آسيا والبنطس وتراقيا وكذلك على الجماعات المسيحية خارج حدود الأمبراطورية (القانون 28). النصّ، في الشأن، ورد على الشكل التالي:"... في أبرشيات البنطس وآسيا وتراقية يقوم بسيامة المطارنة فقط وكل أساقفة الأبرشيات الواقعة بين البربر عرشُ كنيسة القسطنطينية المقدّس. أما في الأبرشيات الآنف ذكرها فكل متروبوليت يقوم مع أساقفة أبرشيته بسيامة الأساقفة لتلك الأبرشية كما أعلن في القوانين الألهية. أما مطارنة الأبرشيات المذكورة فيجب أن يشرطنهم، كما قلنا، رئيس أساقفة القسطنطينية بعد أن يتمّ انتخابهم بصورة قانونية حسب العادة ويرفع البيان بعمل الانتخاب".


عن منتديات الشبكة الأرثوذكسية الانطاكية
اتمنى مشاهدة مشاركة لقدس الأب فادي هلسا في هذا الموضوع
  • ملكك أيها المسيح ملك كل الدهور وسلطانك في كل دور فدور
صورة
ليس من الصعب أن تضحي من أجل صديق ولكن من الصعب أن تجد صديق يستحق التضحية !!

Abu Julian
قنشريني مميز
مشاركات: 353
اشترك في: الثلاثاء أغسطس 30, 2005 10:41 pm

Re: أفسس الثاني وخلقيدونية - وجهان لعملة واحدة

مشاركة بواسطة Abu Julian » الأربعاء أغسطس 27, 2008 11:36 am

أخي ليون،

أشكر مشاركتك.
في الواقع تاريخ ووثائق ومستندات كل طرف على حدا تبرر ساحته هو وتدين الطرف الآخر. للطرفين مبرراته كما يراها هو. وفي الواقع، كلما أيّدت السلطة الزمنية طرفاً ما، تصرف على هواه. والمفروض أن لا يُلغى مجمع شرعي 100%، كما جرى مع أفسس الثاني: السلطة الزمنية دعت إليه.... ودعت جميع الرؤساء إليه... ولم يصدر أي قرار منفرد دون موافقة باقي الأطراف عليه (وهناك وثائق ثابتة، مثل هذا الرابط الذي يحوي ترجمة بالإنكليزية للوثيقة السريانية لأعمال المجمع:
http://www.archive.org/details/secondsy ... 00perruoft" onclick="window.open(this.href);return false; )... يمكنك تحميل الملف.

والوثائق السريانية تقول إن البابا لاون حقد على ديوسقورس لأنه لم يولِ اهتماماً برسالتهن لأنه رأى فيها روح نسطورية. ولم يقرأها لئلا يضطر إلى حرم كاتبها. وعندما تغيرت السلطة وأيدت البابا لاون، تمكن من فرض طومسه (رسالته) بقوة السلطة. وكل أسقف لم يوقع عليها حرمه.

لست هنا في مكان إدانة أحد. ولكني أرى أن المجمعين تسببا في شق الكنيسة (لسبب أو لآخر)... إن كان هذا محق أم ذاك... ولهذا اخترت العنوان "وجهان لعملة واحدة"....

وفي بحثي سآخذ من جميع الأطراف، وأطرح المشكلة من جميع النواحي دون تحيز لطرف أو لآخر، وسأدع الحكم والقرار لمن يقرأ!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

هل نعتقد أن طرفاً ما كان على حق والآخر لا؟!.... إذن فنحن مخطئون جداً!!!!!

والدليل مقررات برو أورينتي التي أثبتت الإيمان الواحد لكل الفرق!....

إذن فالمسألة مسألة ثـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــأر ليس إلاّ!....
أهواء بشرية لا علاقة للرب بها، ولم يأمرنا بها!....

المجمعين وضعوا الرب في "الخزانة" أثناء انعقادها، وتصرفوا هم بشخصهم!...
لهذا قال كالفن: "الكنيسة والروح القدس لم تكن موجودة حينها"!....

لهذا هناك توصيات جديدة بتغيير ما جاء في كتب التاريخ لدى جميع الطوائف، وحذف كل كلمة توجه الإدانة أو الإهانة للطرف الآخر!.... وهذا ما كان ينبغي أن يحدث منذ تلك المجامع!.... للأسف الشديد المحزن!....
وبهذه الروح المسكونية علينا ان نتابع

أضف رد جديد