قوة الصمت و لغز النوم

لطرح ومناقشة كافة المواضيع الثقافية
أضف رد جديد
ashor
مشرف عام
مشاركات: 4162
اشترك في: الجمعة سبتمبر 17, 2004 7:55 pm
مكان: syria

قوة الصمت و لغز النوم

مشاركة بواسطة ashor » الثلاثاء مايو 26, 2009 7:18 pm

+++

موضوع اعجبني جداً احببت ان انقله للإفادة .

قوة الصمت

في الفيدانتا يطلق على التنفس اسم برانا Prana، أي الحياة . فالتنفس – عبارة عن سلسلة تربط بين الجسد والفؤاد والنفس. إن التنفس هام إلى درجة أنه حين يختفي، فإن الجسد الذي غادره – الجسد، الذي أحببناه بقوة والذي رعيناه كثيراً، بحيث كنا نركض إلى الطبيب عند الإصابة بزكام أو سعال وسارعنا إلى تناول الدواء عند أية وعكة صحية، هذا الجسد يصبح بلا فائدة ولا حاجة له. لم يعد بإمكانه أن يكون حياً.
إن الكلام هو عبارة عن انقطاع في عملية التنفس. بكلمة أخرى، عندما يتكلم الإنسان فهو يضطر للقيام بعدد أكبر من حركات الشهيق والزفير، مما أثناء الصمت. فالتنفس يشبه الإطار، الذي يلعب به الأولاد: كلما كانت ضربة العصا أقوى، كلما كان أكثر عدد الدورات التي ينجزها الإطار وهو يتدحرج على الأرض؛ وعندما تنتهي قوة الدفعة، فإن الدولاب يقع. أو لنأخذ، كمثال على ذلك، الساعة: تعمل الساعة خلال فترة زمنية محددة تتناسب مع التعبئة – قد تكفي لمدة 24 ساعة أو أسبوع، لكن أبعد من هذه المدة لن تسير مهما حاولنا تعبئتها.
على أول شهيق يتوقف طول حياتنا : كم هو عدد حركات الشهيق والزفير المقررة لنا . نحن أثناء الكلام نصرف طاقة حياتية كبيرة ؛ بينما الصمت خلال يوم واحد يعني إطالة حياتنا لمدة أسبوع أو أكثر، أما اليوم الذي نمضيه في الأحاديث – ينتزع أسبوعاً من حياتنا. الصمت – عبارة عن علاج للكثير من المصائب ، بالرغم من أن الشخص، الذي يعيش في خضم الحياة ، لا يستطيع بالطبع ممارسة الصمت بصورة دائمة . لكنه قادر على مراقبة كلماته ؛ فالإنسان يستطيع أن يتذكر أنه لقاء كل كلمة ينطق بها إما سيكافأ من السماء أو سيعاقب من جهنم.
يعيش في الهند منذ القدم روحانيون يلقبون بـ: موني Muny. هم لا يتكلمون مطلقاً، مع أنهم يعيشون في ما عدا ذلك مثل جميع البشر. هؤلاء عادة يعيشون أطول مما نحن في الوقت الحالي: ثلاثمائة سنة، خمسمائة سنة وربما أكثر.
عند الامتناع عن الكلام ، فإن التنفس يبقى بمعزل عن التوتر والاضطراب ؛ يكون منتظماً وهادئاً . لقد أَوْلى الروحانيون دوماً أهمية كبيرة للتنفس وجعلوا من دراسته لحظة أساسية في حياتهم . مَن يحترف التنفس – إنما هو يمتلك حياته الخاصة ؛ ومَن لا يستطيع التحكم بالتنفس، إنما هو معرض للإصابة بمختلف الأمراض. هناك أشخاص يتحكمون بالتنفس بشكل لا واعي، مثل الملاكمين والمصارعين، وكذلك بعض الناس، الذين يعيشون حياة مليئة بالعبادة والإيمان.
في الوقت الحالي نحن نحب الحديث كثيراً لدرجة، أن الإنسان الذي يبقى بمفرده يشعر برغبة قوية للخروج من المنزل وليحاول إيجاد شخص يتحدث إليه. و غالباً يقوم البعض، عندما يكونوا وحيدين، بالتحدث إلى الأشياء المحيطة ، وكثيرون يتحدثون مع أنفسهم ، إذا لم يجدوا مَن يتحدثون إليهم. لو شرح أحد ما لهم – ربما كانوا فهموا كم يصرفون من الطاقة مع كل كلمة تقال. الصمت – هو استرخاء للعقل والجسد. إن قوة الصمت عظيمة جداً، وليس من وجهة نظر تلقي ومراكمة الطاقة والقوة الحيايتة وحسب، بل ومن وجهة نظر أخلاقية: يمكن الحصول على فائدة كبيرة من الصمت.
إن الكثير من الحماقات، التي نقترفها هي حماقات مرتبطة بالكلام. مقابل كل فعل واحد خطأ نقوم به كل أسبوع – نحن ننطق آلاف الأخطاء الكلامية.غالباً نهين أو نجرح شخصاً آخر فقط لأننا نتكلم كثيراً؛ لو توقفنا عن الكلام لما كان حصل ذلك.
إلى جانب ذلك، هناك ميل شديد نحو المبالغة. إن جميع المثاليين، الذين يحبون التفاخر بشيء ما توجد لديهم ميول نحو المبالغة. إذا خرج شخص من البيت وشاهد أنه يحلّق “منطاد تسيبّلين” ( )، فهو يسعى لإخافة أصدقائه فيروي لهم أنه رأى عشرين “منطاد تسيبّلين” تطير . وبعد أن يرتعب أصدقاؤه، فإنه يشعر بنوع من الرضى. إذا كان لدى المثاليين مشاعر لطيفة تجاه شخص آخر، فإنهم يقولون أنه الشمس والقمر في السماء. ليست هناك حاجة لقول ذلك.
كما إن الإنسان يطوّرُ في أحاديثه الميل إلى التناقض. بغض النظر عما يقال ، هو يسعى لقول نقيضه. إنه يصبح أشبه بالملاكم أو بالمصارع : إذا لم يجد من يقارعه من حيث القوة ، فإنه يشعر بنفسه مخدوعاً، لأن الميل للكلام عظيم لديه.
في أحد الأيام كنت حاضراً حفل استقبال في منزل صديق، حيث كان يوجد بين الناس شخص يتجادل مع كل ضيف، لدرجة أن الجميع سئموا منه. حاولتُ تجنب الحديث معه، لكن أحدهم عرّفنا إلى بعضنا البعض، وحين سمع أنني أقوم بتدريس الفلسفة، فقد قرر: ” هذا هو ما أنا بحاجة إليه “. فكان أول ما قاله: ” أنا لا أؤمن بالله “. فسألته: ” حقاً؟ لكن هل تؤمن حضرتك في هذا الكون القائم، في روعة هذا العالم المتنوع وأن وراء وجوده تقف قوة معينة؟ “. فأجاب: ” أنا أؤمن في كل ذلك، لكن لماذا عليَّ أن أنحني لشخصية محددة و أدعوها الله؟ أؤمن في كل ذلك، لكنني لا أسمي ذلك الله “. قلت لـه: ” أنت تؤمن أن لكل نتيجة سببها وأن جميع تلك الأسباب لها بدورها سبب أولي. أنت تدعو ذلك سبباً وأنا أدعوه الله؛ إنه الشيء ذاته. دوماً هناك مَن هو الرئيسي، الذي تطيع أوامره، مَن هو أعلى منك، الذي تنحني لـه، الوالد والأم مثلاً، بل هناك شيء ما مضيء، الذي تحبه وتبجله، هناك مَن تحترمه، وتوجد قوة ما تشعر أمامها بأنك عاجز. فكم عظيمة قوة تلك الشخصية، التي خلقت ولازالت تتحكم بكل هذا، وإلى أية درجة هي تستحق الإيمان والتبجيل ! “. أجاب: ” لكنني لا أسميها قوة إلهية، أنا ادعوها بالقوة المطلقة، بالصفة، التي تقوم بكل شيء بشكل آلي، وتنسق بين الكل “. عندما حاولت أن ابقي الحوار على موضوع معين، كان يتنقل إلى موضوع آخر، وعندما حاولت الالتحاق به، انتقل مرة أخرى إلى موضوع تال، إلى أن توقفت أخيراً عن هذه اللعبة، وقد تذكرت مقولة شانكارا تشاري : ” يمكن تحويل كل ما هو مستحيل إلى ممكن باستثناء شيء واحد : لا يمكن تقريب عقل الغبي إلى الحقيقة ” .
قد يتضخم حب المشاكسة إلى الدرجة، التي يصبح معها المرء – حتى وهو يسمع فكرته الخاصة على لسان شخص آخر – يتخذ موقفاً مناقضاً، فقط لكي يضمن فرصة الجدل. هناك مثل فارسي: ” أواه، أيها الصمت، إنك نعمة لا ثمن لها، أنت تخفي هفوات الحمقى وتهب الإلهام للحكماء ! “.
إننا نقول سخافات كثيرة جداً فقط لأننا تعودنا أن نتكلم وأن نقول !. كم هي كثيرة الكلمات، التي ننطقها ولا معنى لها ! إذا قدمونا إلى شخص ما، فلا بد أن نتكلم كثيراً لكي لا نُعتبر غير لبقين. فيبدأ الحديث كما يلي : ” يا له من نهار جميل؛ اليوم بارد “، - أو شيء آخر عن الطقس وهلم جرا. إن عادة التحدث عن أمور فارغة تتحول مع الوقت إلى حالة مَرَضية، بحيث أن الإنسان لن يهدأ ما لم يسبب الصداع للآخرين بمناقشته عن أشياء سخيفة. هو لن يتمكن من العيش من دون إرضاء هذه الرغبة الذاتية، إذ يصبح مولعاً بالكلام، بحيث أنه في يوم من الأيام قد يروي قصة حياته لشخص عابر، دون أن يعطيه فرصة ليقول كلمة واحدة، مع أن ذلك الشخص قد يكون منزعجاً جداً من تصرفنا، ويريد القول : ” وما علاقتي بكل هذا؟ ” كما أن الناس غالباً يتفوهون بأسرار ثم يندمون على فعلتهم.
و تحت سلطة هذا السحر أيضاً، قد يعبر الإنسان في حديثه عن اللامبالاة، الكبرياء، الموقف المسبق، ثم يشعر بالندم من جراء ذلك. هذا كله ينتج بسبب غياب الرقابة على الكلام. قد تكون الكلمة أحياناً أثمن من جميع كنوز العالم، وفي أحيان أخرى قد تتحول الكلمة إلى سيف.
هناك سبل مختلفة للإلهام، لكن أفضلها – الصمت. إن جميع الروحانيين يلتزمون الصمت. خلال ترحالي في الهند التقيت أشخاصاً عظاماً كثيرين، وقد كانوا جميعهم ينقطعون عن الكلام لعدة ساعات على الأقل في كل يوم، والبعض منهم – خلال الأربع وعشرين ساعة بأكملها.
لقد عاش في حيدر آباد أحد الروحانيين باسم شيخ جهاموش. لقد دعي كذلك بسبب التزامه الصمت. كان في شبابه شخصاً ذكياً ومليئاً بالنشاط، وفي يوم من الأيام جاء إلى مرشده مع سؤال جاهز، وهذا شيء طبيعي بالنسبة للمريد. كان المرشد يجلس مستغرقاً في حالة من الوَجد الروحي، وبما أنه لم يكن يرغب بالكلام، فقد أمره: ” اصمت “. لقد كان لذلك أثر هائل على الفتى . إذ لم يسبق وسمع مثل هذا الكلام من مرشده، الذي كان دوماً مليئاً بالمحبة وبالصبر وبالطيبة، وكان مستعداً للإجابة على أي سؤال. لكن ذلك الدرس كان كافياً بالنسبة لـه مدى الحياة، لأنه كان إنساناً عاقلاً. عاد إلى البيت ولم يتحدث إلى أحد من أفراد العائلة، حتى مع والديه. عندما رأى المرشد ذلك هو أيضاً لم يعد يتكلم معه. هكذا، على مدى سنوات كثيرة لم ينطق شيخ جهاموش بكلمة واحدة، وعلى أثر ذلك ازدادت قوته العقلية لدرجة، أنه كان يكفي إلقاء نظرة عليه لكي تشعر بالإلهام. نظرته لوحدها كانت كافية لكي تلهم أي فرد. لكي تعالج. لقد كان ذلك منذ فترة ليست بعيدة جداً، منذ حوالي ربع قرن (اعتباراً من تاريخ تلاوة هذه المحاضرات في العقد الثاني من القرن العشرين – المترجم).
إن النشاط يعبق بالنشوة، وقد ازداد النشاط في أيامنا، بحيث أننا منذ الصباح وحتى المساء لا توجد دقيقة واحدة للراحة بسبب الانشغال اليومي الدائم، والذي يجبرنا على الحركة باستمرار. ومع حلول المساء نشعر بالتعب لدرجة، أننا نتمنى النوم فقط، لكي يتكرر نفس الشيء مع كل صباح. إن نمط الحياة هذا يلحق الضرر الكبير بأمور كثيرة؛ فالإنسان يميل إلى التمتع، بحيث أنه ينسى الحياة، التي هي بحد ذاتها متعة ولذة. يجب أن يكرس عند كل شخص ساعة واحدة على الأقل يومياً للسكينة وللحركة.
بعد الصمت عن الكلام يتبع الصمت عن التفكير، أو صمت الأفكار. قد يجلس المرء أحياناً بلا حركة، دون أن يتكلم، لكن أفكاره تتوالى بلا انقطاع. ربما لا يرغب العقل بتلك الأفكار، لكنها تتوالى مع ذلك. إذ يتحول العقل بالنسبة إليها إلى صالة للرقص، حيث هي تتراقص وتتراقص بدون أي عائق. من الضروري أن تصبح فكرة ما ممتعة، هامة، بحيث تطرد الأفكار الأخرى.
عندما تهدأ الأفكار، يخيم السكون على المشاعر. يمكننا أن لا نقول أي شيء ضد أي شخص آخر، بل يمكننا أن لا نمتلك أية أفكار بشأنه؛ لكن إذا كانت توجد في قلبنا أدنى كراهية تجاهه، فإنه سيشعر بذلك. إنه سيشعر بالقسوة في ذلك القلب. نفس الشيء يحدث مع المحبة ومع التعلّق والميول.
المجرّد يعني أن يتواجد خلف حدود هذا العالم، حيث جميع أشكال الوجود تتوحد، حيث أنها كلها تلتقي مع بعضها البعض؛ وهذه الحالة التجريدية لها نغمتها الخاصة. عندما تهدأ تلك النغمة ويرتفع الإنسان فوقها، فإنه يبلغ أرفع حالة، النجاة، الخلود؛ لكن بالتأكيد، لكي يبلغ المرء هذه الحالة هو بحاجة للكثير من الجهد
II

لغز النوم

كما نلاحظ في حياتنا اليومية، إن أفضل صديق بالنسبة للطفل – هو مَن يساعده أن يغفو. مهما قدمنا لـه من الألعاب، مهما قدمنا لـه من الأطعمة والدمى، فإن الطفل أكثر ما يكون شاكراً لذاك، الذي يساعده على النوم. عندما تهزّه اليد المباركة للأم ، فإن ذلك هو أكبر خدمة بالنسبة للطفل ؛ ففي هذه اللحظات بالضبط هو يشعر بالسعادة الحقيقية.
إذا استطاع الأشخاص المرضى، أو الذين يعانون من الألم، أن يناموا فإنهم يكونوا سعداء. عندئذ يختفي الألم نهائياً. فإذا تمكنوا من الإغفاء، فهذا يعني أنهم يستطيعون تحمل كل شيء. لذلك هم يَرجون الطبيب أن يعطيهم أي شيء قد يساعدهم على النوم. إذا عرضنا على الإنسان قصراً ملكياً مع كل ما يلزم للبذخ ، كل أنواع الراحة و الخدم و أفضل صنوف الأطعمة، مع شرط أنه لن يتمكن من النوم، فإنه سيقول: ” لا أرغب في ذلك، من الأفضل لي أن أنام ! “.
الفرق بين السعداء والتعساء يكمن في أن التعساء لا يستطيعون أن يناموا. مختلف أنواع الندم، المصاعب، القلق والمخاوف قد حرمتهم النوم. ما الذي يدفع الناس لتناول الكحول ومختلف أنواع المخدرات؟ هذه الأشياء بالضبط. عندما يتناول المرء الكحول يزوره نوم سطحي، ناتج عن منشط قوي. أطرافه الأربعة نائمة ، لسانه نائم – لا يستطيع الكلام بشكل واضح ، غير قادر على المشي مستقيماً ، فيسقط . الفرح من هذا النوم عظيم لدرجة، أن الشخص الذي خبره يوماً، سيلجأ إليه من جديد. آلاف المرات يقسم أنه لن يعود إلى تناول الكحول، لكن كل شيء يتكرر.
جاء في إحدى قصائد الرومي : ” أوه، أيها النوم، في كل ليلة أنت تحرر الأسير من القيود ! “. فالأسير لا يدرك أثناء نومه أنه أسير؛ هو حر. والتعيس لا يشعر أنه تعيس؛ إنه مسرور. والمريض لا يعود يشعر بالألم أو بالمصيبة. هذا يشير لنا، أن النفس لا تعرف لا الألم ولا التعاسة. لما كان الأمر كذلك، فإنه سيبقى كذلك دائماً، طالما الجسد نائم. فالنفس لا تشعر بمعاناة الجسد والعقل؛ فقط عندما يستيقظ الإنسان، تبدأ النفس التفكير في أنها تعاني من تأثير الألم والتعاسة. كل ما ذكر يساعدنا في فهم المغزى العظيم للنوم. وهذه البَرَكة العظيمة تُعطى لنا دون مقابل، كما كل ما هو فاضل في الحياة. فنحن لا ندفع شيئاً مقابل النوم. نحن نصرف آلاف الجنيهات من أجل المجوهرات، من أجل الأحجار، التي لا تقدم لنا أية فائدة، بينما يمكننا شراء الخبز لقاء قروش.
لا يقدّر الإنسان الأهمية العظيمة للنوم، لأن الفائدة التي يقدمها لا يمكن لمسها أو رؤيتها. إذا كان الإنسان مشغولاً، إذا كان يمارس عملاً يدر عليه المال، فإنه يقوم به على حساب النوم، لأنه يرى أنه يحصل على كمية كبيرة من الجنيهات وعلى الكثير من الفلوس، لكنه لا يلاحظ ماذا يقدم له النوم.
عندما ننام، فإننا نختبر حالتين: الأحلام والنوم العميق. الحلم – نشاط خارج سيطرة العقل. عندما نكون متنبهين، حين يعمل عقلنا بدون سيطرة، فإنه يظهر لنا لوحات قادمة من خزان الانطباعات – نسمي ذلك الخيال. عندما نضبط ونسيطر على نشاط عقلنا نحن ندعو ذلك فكرة. لوحات الخيال، التي تنشأ أثناء النوم، ندعوها منامات. نحن لا نعتبرها واقعاً، لأن الحالة اليقظة تُظهِر لنا شيئاً آخر؛ لكن ما لم نستيقظ، فإن الحلم بالنسبة لنا يكون واقعياً.
عادةً الإنسان لا يعي شيئاً أثناء النوم العميق، وعندما يستيقظ فهو يجد نفسه متجدداً وطازجاً. ماذا نفعل عندما نغفو بسرعة؟ في هذه الأثناء تتحرر النفس من قيود الجسد والعقل. تصبح حرة. هي تنتقل إلى عنصرها الخاص، إلى الحقل العلوي، تفرح لمكوثها هناك وتشعر بالسعادة. إنها تشعر بالسعادة الكاملة، بالبركة وبالسلم الكاملين، الموجودين هناك.
بالإضافة إلى الأحلام والنوم العميق، يمكن أن تأتينا الرؤى. نحن نشعر بها عندما تكون النفس نشيطة في المجالات العلوية. كل ما تراه النفس هناك يقوم العقل بنقله إلى صور ولوحات مجازية. النفس تشاهد أشياء حقيقية، أما ما يتلقاه العقل من تلك الانطباعات فهو يتطابق إلى درجة معينة مع ما تراه النفس فقط. لذلك يتم تلقي الشيء على شكل لوحة، استعارة وتعابير مختلفة يمكن للحكيم أن يفسرها، لأنه يعرف لغة تلك المجالات. إذا هو رأى نفسه يصعد جبلاً أو يهبط جبلاً، إنْ هو رأى نفسه في ثياب رثة أو في لباس أنيق، في الطائرة أو في الصحراء، فإنه يعرف ماذا يعني كل هذا. بينما الإنسان الجاهل لا يعرف؛ هذا ببساطة يعتقد أن ذلك مجرد حلم لا أكثر.
يستشف الإنسان في الرؤية إما ما يتعلق به ذاته، أو ما يتعلق بأشخاص آخرين يهمه أمرهم. إذا كان يهتم لشعبه أو بالبشرية ككل، فإنه سيرى ما يجب عليه أن يفعل لخير شعبه أو البشرية.
يمكن أثناء النوم سماع الصوت أو تلقي رسالة مؤلفة من أحرف. هذه صيغة أكثر تطوراً للرؤية. القديسون والحكماء يتأملون في الرؤية بالتحديد ما يجب أن يحدث، أو ظروف الوقت الحاضر، لأن عقلهم يقع تحت سيطرة الإرادة. حتى خلال النوم لا يحاول العقل لديهم ولا لثانية أن يعمل من دون إشراف إرادتهم. لذلك، بغض النظر عما تراه النفس عندهم، فإنه يتطابق تماماً مع الرؤية. هم يمتلكون رؤى حتى في اليقظة، لأن وعيهم غير مرتبط بالمستوى الأرضي، الدنيوي. الوعي عندهم متنبه ويعمل بحرية في المجالات العلوية.
إلى جانب الرؤية، الأحلام والنوم العميق، أن الروحانيين يعيشون كذلك حالتين أخريين: الحلم المصطنع التلقائي والنوم العميق الناتج من تلقاء ذاته. الوصول بذلك إلى الكمال – غاية الروحانية. هذا بسيط للغاية، بحيث يمكن شرحه في بضع كلمات، وفي نفس الوقت معقد لدرجة أنني انحني أمام أولئك، الذين استطاعوا بلوغ ذلك. تحقيق ذلك ممكن عن طريق التركيز والتدريب.
من الصعب جداً الاحتفاظ بفكرة واحدة في العقل وتحريره من جميع الأفكار واللوحات الأخرى. آلاف الأفكار، آلاف اللوحات تأتي وتختفي. إن الروحاني عن طريق تحكمه بذلك، يتحكم بكل شيء: بعد ذلك هو يتنبه في هذا المستوى كما هو يفعل في المستوى العلوي، فيصبح بالنسبة له الحلم أولاً , والثاني – اليقظة. يمكن أن يقول الناس، أن الروحانيين، الذين اكملوا وتمموا ذلك – هم مؤمنون عِظام بالغيب Occultism ، إنهم أناس يمتلكون طاقات عقلية ونفسية كبيرة؛ لكن غايتهم لا تكمن في ذلك. إن هدفهم – هو الإدراك الحقيقي، الحياة الفعلية في الجانب الآخر: أي الله. عندما تصبح هذه الحياة مكشوفة بالنسبة لهم، فإن الحكمة كلها تصبح مفتوحة للنفس، وبالتالي إن جميع الكتب وجميع تعاليم الدنيا تصبح مفهومة بالنسبة إليهم.

المصدر :
كتاب ” تعاليم المتصوفين ” – للمتصوف الهندي العظيم حضرة عنايت خان .
و قد صدر الكتاب عن دار الفرقد بدمشق و يقع في 300 صفحة من القطع الكبير . ترجمة إبراهيم إستنبولي

...
صورة

هذا التوقــيع من تصميم الاخـت تـوتا مشكــورة

*************************

صورة العضو الرمزية
رياض
قنشريني ماسي
مشاركات: 3999
اشترك في: الأحد ديسمبر 28, 2003 10:57 pm
مكان: tartus
اتصال:

Re: قوة الصمت و لغز النوم

مشاركة بواسطة رياض » الثلاثاء مايو 26, 2009 9:40 pm

شكرا اخ اشور على النقل المفيد
كما قلت فالتعساء لا يستطعيون النوم
وكذلك من ضمائرهم تعذبهم لا يستطيعون النوم فهم تعساء
شكرا
صورة[\



صورة

mari
مشرف إداري
مشاركات: 4524
اشترك في: الجمعة فبراير 16, 2007 8:42 pm
مكان: العراق

Re: قوة الصمت و لغز النوم

مشاركة بواسطة mari » الخميس مايو 28, 2009 12:32 am

كتير حلوة الموضوع
اخي اشور اشكرك كتير

صورة العضو الرمزية
قمر
مشرف إداري
مشاركات: 9196
اشترك في: الأحد سبتمبر 24, 2006 7:02 pm
اتصال:

Re: قوة الصمت و لغز النوم

مشاركة بواسطة قمر » الخميس مايو 28, 2009 2:08 am

ومتل ما قلت اخ اشور
فإن الطفل أكثر ما يكون شاكراً لذاك، الذي يساعده على النوم. عندما تهزّه اليد المباركة للأم ، فإن ذلك هو أكبر خدمة بالنسبة للطفل

ووعند ما نتالم نريد انا ننام من شان ما نحس في الاامنا

شكرا اخ اشور في اي شي لازم تكون القوة عنااا

موضوع حلو كتير والكلاام احلا

شكرا ويسلمو ايدك عل النقل
محبتي
صورة

2014

أضف رد جديد