كريوغراف: في البدء كان الرقص

لطرح ومناقشة المواضيع العامة
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
ليون انتيباس
قنشريني متألق
مشاركات: 1361
اشترك في: الأربعاء يناير 18, 2006 1:07 pm
مكان: Syria / Tartous

كريوغراف: في البدء كان الرقص

مشاركة بواسطة ليون انتيباس » الأربعاء أغسطس 01, 2007 11:04 am

[align=center]كريوغراف: في البدء كان الرقص [/align]
[align=justify]استطاع المسرح الراقص في سورية مؤخراً أن ينهض بشكل جيد، بعد عدة تجارب لفرق عديدة، ولاشك أن فرقة «سمة» للمسرح الراقص أحد تلك التجمعات التي أخذت على عاتقها تقديم عرضها الأول «كريوغراف» لمخرجه «علاء كريميد» والكريوغراف ببساطة هو علم الخطوة الذي يتصل مباشرة بتصميم الرقصات على نحو يشكل في النهاية دراما راقصة، يتبوأ فيها الجسد دور البطولة المطلقة. [/align]
[align=center]صورة[/align]
[align=justify]فما كان يقدم على مسرح الدراما من خطابات عقلية لا نهائية ومن حكائيات وتراجيديات مطولة، حولها الجسد للتو إلى شكل آخر من أشكال التعبير، وهو بذلك يعود إلى ذاكرته الوثنية الأولى، حيث كان الإنسان، كما تصوره الإنتربولوجيا أو علم الإنسان الطبيعي وبعد غياب طويل في رحلات صيد شاقة وطويلة، يحاول أن يتمثل سلوكه الغريزي في تقليد سلوك الطريدة أو محاولة محاكاتها، ولتأخذ الحكاية شكلاً أكثر عاطفية، إنه لا يريد فقط تقليد الغزلان والجواميس البرية، إنه يريد أن يشكل معنى من عدة حركات متعاقبة، فها هو يتربص خلف صخرة أو أكمة، ثم يرفع رمحه نحو غزاله وبعدها يرميه أو يطارده، إنها عدة أفعال رقصها الإنسان قبل أن يحكيها، مشكلاً بتلك الحركات البدائية أول شكل من أشكال الدراما، ولعل ذلك يعود إلى شعور آخر أشد ذكاء وانفعالاً، إنها رغبة في نقل المعرفة للآخر عبر تلك التجارب التي كان يحياها وحيداً مع غزلانه الأولى.
تأتي اليوم تجربة علاء كريميد في كريوغرامز أو مصمم الرقص في ظل مناخ ثقافي جديد للمسرح السوري، فالرقص كفن هو الأقدم، يشكل تياراً حديثاً للتخفيف على الجمهور من رطانة «الحكي» ومناطقته، وتأتي حداثة التجربة في هذا العرض من طبيعة الإنشاءات التي اختارها مكسيم عبد اللطيف كمؤلف للنص، والذي جاء كمبرر جمالي درامي في آن واحد، وهذا بدوره أعطى مسوغاً حركياً متنوعاً في فضاءاته أمام كريميد، هذا كان جلياً في فكرة المصمم الذي يريد السفر إلى دبي مع فرقته الراقصة لتقديم عرض تجاري، على أن يعود بعد ذلك بالمال الذي يوفر له فرصة عرض راقص في دمشق ويستطيع من خلال هذا العرض تقديم مشروعه، فالتمويل هو المشكلة، إنه لا يرغب بالمال من أجل المال، وإنما يريد أن يقدم عرضاً في مقاييس لا تعجبه على أن يعود لوطنه لتقديم العرض الذي يريده استثنائياً في شروطه الفنية والجمالية، عرض يقدم الجسد بعيداً عن الابتذال اليومي والاستهلاك المجاني لقداسته البصرية.
لاشك أن الفنان جمال سلوم الذي قام بدور الكريغوغرافر بذل جهداً عالياً في تقديم الشخصية مترددة أمام خياراتها، ومهزومة في تضحيتها، وخاصة بعد الخيبات المتكررة التي يتلقاها، والفخ الذي يوقعه فيه «المتعهد» في دبي ما يضطره للموافقة على تقديم الأسوأ وما يتلو ذلك من انشقاقات في فرقته، وها هو الحلم في تقديم الرقص أصبح رقصاً آخر، رقص التسلية والترفيه، وليس ضجيج الجسد بأسمائه المتعددة.
تدور كل هذه الأحداث على طريقة «الفلاش باك» أي العودة بالذاكرة إلى الوراء، إن المصمم يتذكر في غرفة إلى يمين الخشبة، يسار الجمهور، كل ما تعرض له وفرقته من تقديم تنازلات متكررة، بينما توقفت كل الطموحات على العودة إلى الوطن لتقديم العرض الذي يحلم به.
إن اعتماد كريميد على رقصات الجايف والهيب هوب والفالس عزز الفرجة التي أرادها عرضاً لامتاع الجمهور ومؤانسته، مازجاً هذه الرقصات بنوعية أخرى مناقضة، بررها منطق العمل، والتضاد بين حلمين حلم المال من أجل حلم الفن، لذلك جاءت الصوفية كرد فكري جمالي، على ما تفرضه «السوق» وما يمليه أصحاب الأموال حتى على «الفن» بحد ذاته.
لاشك أن الصعوبة الكبيرة في النقلات بين اللوحة والأخرى دون المساس بالمزاج العام للعرض، كانت حساسة للغاية، لكن التنويع بين السرد على شكل ذاكرة تارة والتمهيد الموسيقي تارة أخرى، إضافة إلى الخفة التي أوحتها أزياء أحمد منصور في تحريك الجسد بصرياً من المنظور اللوني إلى المنظور العاطفي المتجلي في «الحضرة» كطقس صوفي يستطيع ترويض أرواحه، ومن ثم إعادتها في النشيد المتصاعد، وبتوافق صوتي يرتطم فيه الجسد بعائقه البدني أو حضوره كجسم لا كحامل مادي للروح.
ولذلك كانت نصوص «النفري» وأبي ذر الغفاري.. نكوصاً ماهراً في اجتراح الألم، وإعادة إطلاقه عذباً ومدوخاً، حتى في أقصى حالات هيامه وجداً واستذكاراً.
الحقيقة لم ينشغل عرض «كريوغراف» بتقديم أسئلة عقلية وهذا يبدو من إصراره على تحقيق الفرجة والمتعة البصرية، عبر التنويع المستمر على ألوان مختلفة من الرقص، مع أن المشكلة التي تعرض لها العمل هامة وملحة بعد أن استطاع المال فرض سطوته على أحلام كثيرة لم ينج الفن من مشاريعها الضخمة، ومن الواضح أن فرقة «سمة» للمسرح الراقص أرادت منذ البداية اكتساب ثقة الجمهور أولاً، لذلك شاهدنا بسالة استثنائية للراقصين في تقديم الطاقة على شكل أنفاس متناوبة حيناً، وصراخ عضلي حيناً أخرى، ولهذا كانت القسوة في ملامسة الجسد لقعر الخشبة، تعبر وبشدة عن صراعات داخلية، تتوزع فيها الكتل على شكل أطراف مبتورة بالضوء أو منحوتة بالماء، أو ما بينهما . [/align]

صحيفة الوطن السورية
  • ملكك أيها المسيح ملك كل الدهور وسلطانك في كل دور فدور
صورة
ليس من الصعب أن تضحي من أجل صديق ولكن من الصعب أن تجد صديق يستحق التضحية !!

أضف رد جديد