الكلدان الآشوريون السريان - شعب واحد بثلاث تسميات الجزالثاني

خاص بكل ما يتعلق بالسريان والسريانية
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
اشوري
قنشريني فعال
مشاركات: 286
اشترك في: الجمعة يونيو 20, 2008 10:02 am
مكان: العراق _اربيل_عينكاوا

الكلدان الآشوريون السريان - شعب واحد بثلاث تسميات الجزالثاني

مشاركة بواسطة اشوري » الأحد يوليو 24, 2011 2:23 am

العصر البابلي القديم
أنّ أبرز ما يميّز العصر البابلي القديم (2004 – 1594 ق.م) هو تدفق هجرات الآموريين الذين نزحوا من المرتفعات المسماة جبل (بسار) ويمكن تحديدها ما بين (تدمر ودير الزور). وقد جاءت على موجتين. الموجة الأولى كانت في أواخر سلالة أور الثالثة, والتي قضت على تلك السلالة ونتج عنها تأسيس جملة سلالات أشهرها (أيسن) و(لارسة) و(أشنونا). وبعد زهاء قرن أنحدرت عن جهات الفرات الأعلى والأوسط جماعات أخرى من الآموريين, استطاع شيوخ قبائلها أن يؤسسوا مشيخات أو سلالات حاكمة أشهرها سلالة بابل الأولى التي أسسها (سومو آبم). ومن اشهر القبائل الآمورية هذه هي قبيلة (أمنانم) التي استوطن فرع منها مدينة الوركاء, كما استوطن فرع آخر منها منطقة سبار (أبو حبة). أما قبيلة (يحرورم) فقد استوطنت منطقة دجلة الوسطى ما بين الزاب الأسفل وديالى. وقبيلة (خانيين) التي أستوطنت منطقة خانة (عانة حاليا). كما تميّز هذا العصر بقيام عدة دويلات استمرت تتحارب فيما بينها حتى قيام الملك حمورابي وفرضه الوحدة السياسية في حدود 1763 ق.م بعد قضائه على سلالة لارسة. وبحدود 1900 ق.م وأثناء ازدهار مملكة ماري, أذ أمتدت سلطتها على طوال نهر الفرات والخابور وشملت منطقة عانة, تعاظم سلطان الدولة الآشورية في عهد الملك (شمس – أدد) الأول الذي كان من أصل آموري, فضم اليه مملكة ماري وأجزاء وسطى من وادي دجلة والفرات.
كان الملك شمس– أدد الأول معاصرا لملك بابل المسمى (سين– ميلط) (1812 – 1793 ق.م) وكانت العلاقات ما بين الدولتين علاقات مهادنة ومجاملة. وعندما توفي شمس – أدد الأول في العام السابع من حكم حمورابي 1786 ق.م, أعقبه في الحكم أبنه القوي (أشمي دكان) بينما ظل أخوه (يسمح – أدد) يحكم ماري, ولكنه لم يستطع المحافظة عليها حين نازعه أمير ماري على السلطة, واستطاع أن يطرده منها بمساعدة مملكة حلب. ولكن( أشمي دكان) لم يتقبل ضياع القسم الغربي من مملكته, فأستمرت المناوشات والحملات الحربية ما بين الطرفين.
لما جاء حمورابي الي عرش بابل كان يزاحمه في البقاء ويهدد وجود مملكته الصغيرة ملك لارسة القوي (ريم – سين), الذي استطاع القضاء على مملكة (أيسن) ويضمها اليه قبل أن يتبوأ حمورابي العرش بعامين. بالأضافة الى ذلك كانت هناك ثلاث دويلات الى الشمال منها تحت سلطان شمسي - أدد وهي بلاد آشور وأقليم (أيكالاتم) ومنطقة ماري. والى الشرق مملكة أشنونا المستقلة في الأقليم الكائن ما بين نهر دجلة وديالى.
لكن الملك حمورابي بقابليته الفريدة وقدرتة المتعددة الجوانب التي ميزته, مكّنته من القضاء على كل الدويلات المزاحمة له, فأنفرد بزعامة البلاد وحقق وحدتها السياسية. أن براعة هذا الملك في الخطط الحربية والأدارة والتنظيم جعلت منه ملكا عظيما, ويعد حكمه الطويل الذي دام 43 عاما من العهود المجيدة في تاريخ حضارة وادي الرافدين وفي التاريخ البشري أجمالا. وأقام حمورابي مملكة موحدة تضم العراق وأجزاء مهمة من بلاد الشام وأعالي ما بين النهرين.
وفي عهد ابنه (سمسو– أيلونا) استطاع المسمى (أيلوما– أيلو) أن يثور ويستقل في المناطق الجنوبية من البلاد وحينها أغتنمت بلاد آشور الفرصة فقامت فيها سلسلة من الملوك انفصلوا عن تبعيتهم لأمبراطورية حمورابي. وفي عام 1595 ق.م أسقط الحثيون , الذين أقاموا مملكة قوية في حدود القرن السابع عشر ق.م وعاصمتها (حاتوشا), سلالة حمورابي, فهيمن الكشيون والمتمركزون في منطقة الفرات بالقرب من منطقة عانة على بلاد بابل.
أن أسباب أنهيار امبراطورية حمورابي هي أعتمادها على رجل واحد هو حمورابي نفسه وميزاته الشخصية, وتفضيل سكان المنطقة نظام دولة المدينة الذي سبق ذكره.عند السومريين, وكذلك في سياسة حمورابي وخلفائه في حصر أهتمامهم بالعاصمة بابل على حساب المدن والأقاليم الأخرى التابعة.
الكشيون
نزح الكشيون من بلاد اللر, أي لورستان في الجهات الجنوبية من أيران. ولما برزوا كقوة عسكرية في عهد سلالة بابل الأولى أتجهوا في توسعهم الى وادي الرافدين, ولكن خلفاء حمورابي استطاعوا أن يصدوهم فأتجهوا عبر نهر ديالى ودجلة الى الجهات الشمالية الغربية وتمركزوا في منطقة الفرات الأوسط أي في منطقة عانة الأستراتيجية بالنسبة لبلاد بابل. وحين غزا الحثيون بلاد بابل, أنحدروا الى بابل. ويرى المؤرخون أن الكشيين هم الذين أدخلوا أستعمال الخيل الى بلاد وادي الرافدين على نطاق واسع بحيث أصبحت شائعة للنقل وفي الحرب وفي جر العربات. وفي هذا العهد انتشرت اللغة البابلية بخطها المسماري انتشارا أوسع, بحيث أتخذت لغة للمراسلات الدولية الدبلوماسية بين ملوك الشرق الأدنى وحكّامه. ففي هذا العصر كان يحكم في الشرق آنذاك جملة دول أشهرها وأقواها من بعد الدولة المصرية هي المملكة الحثية في بلاد الأناضول ثم يأتي من بعدها في القوة والأهمية الدولة الآشورية في شمالي العراق والدولة الكشية في بلاد بابل, ودولة ميتاني في الأجزاء العليا من بلاد ما بين النهرين. وسرعان ما ظهرت النزاعات ونشبت الحروب بين هذه الدول ولا سيما بين المصريين والحثيين.
ومنذ القرن الرابع عشر ق.م بدأت الدولة الآشورية بالتعاظم والقوة وازداد نفوذها في عهد الملك شلمنصر الأول (1274 – 1245 ق.م) وأصبحت تتدخل في شؤون بلاد بابل التي حل فيها الضعف وساءت أحوالها الداخلية, ورافق ذلك قيام سلالة حاكمة قوية في بلاد عيلام, فتجددت أطماع عيلام ببلاد بابل, وبدأت تتحارش ببابل وانتهت تحرشاتها بأندحار الملك الكيشي. ولم يخلّص بلاد بابل من الأحتلال العيلامي الاّ هجوم الملك الآشوري القوي (توكلتي – ننورتا) الأول (1244– 1208ق.م) والسيطرة عليها. وظلّت بلاد بابل تحت الأحتلال الآشوري 7 سنوات. وأثر موت الملك توكلتي – ننورتا استعاد البابليون استقلالهم السياسي ولكنهم اذ سلموا من التسلط الآشوري, فأنهم لم يسلموا من عدوهم الآخر العيلاميون الذين هجموا على بلاد بابل وقضوا على السلالة الكشية في حدود 1162 ق.م. لكن احتلال العيلاميين الأخير لبلاد بابل لم يدم طويلا, اذ اغتنم زعماء مدينة (أيسن) الفرصة وأعادوا استقلال البلاد.
*****
الآشوريون
أن اسم الآشوريين مأخوذ من كلمة آشور التي تعتبر من اقدم مراكز الآشوريين وعاصمتهم الأولى وبها سمي أيضا الههم القومي (آشور). ان الموطن الذي حل فيه الآشوريون هو الجزء الشمالي من العراق ويمكن اعتبار نهر العظيم الحد الجنوبي لموطنهم. وكانت مدينة آشور مركزا اداريا مهما من مراكز الأمبراطورية الأكدية. ان ما تركته اللهجة الأكدية في اللغة الآشورية القديمة حمّل بعض الباحثين على القول بأن الكثير من الآشوريين في العصر الآشوري القديم ينتمون الى أصل أكدي, ومما يقّوي هذا الأحتمال أن الكثير من الآشوريين وبصفة خاصة الطبقة الحاكمة منهم من أصل أكدي, هو أن بلاد آشور لم ينشأ فيها نظام دول المدن في عصورها القديمة على غرار ما ظهر في سومر وبابل في عصر فجر السلالات. ان ما يميّز العصر الآشوري القديم هو تدفق هجرات الأقوام الآمورية الى بلاد ما بين النهرين ومنها بلاد آشور. وقد استطاع هؤلاء الآموريين الجدد من اقامة كيانا سياسيا مستقلا وصار منهم ملوك وحكام عديدون من أهمهم سرجون الأول الذي بلغت في عهده الدولة الآشورية اتساعا ملحوظا.
ويليه العصر الآشوري الوسيط الذي يبتدأ من حدود القرن الخامس عشر ق.م وينتهي في أواخر القرن العاشر ق.م والذي كان يعاصر حكم السلالة الكشية في بابل. ففي القرن الخامس عشر ق.م حلّت في بلاد آشور نكبة فادحة اذ استطاعت دولة ميتاني في أعالي ما بين النهرين فرض السيطرة عليها وظلت تحت السيطرة الميتانية حتى مجيء الملك القوي آشور أوبالط الأول الى العرش الآشوري , حيث استطاع بفضل دهائه اسقاط تلك الدويلة وازالتها من الوجود واضعا بذلك أسس الدولة الآشورية القوية. وسار خلفاء آشور اوبالط من الملوك والحكام على نهجه وخصوصا الملك شلمنصر الأول (1274 – 1245 ق.م) الذي اشتهر بفتوحاته الخارجية وتقويته كيان الدولة, كما أسس عاصمة أخرى جديدة للمملكة سماها (كالخو)- نمرود حاليا, وكانت بمثابة العاصمة الحربية. وخلف شلمنصر الأول ملك قوي هو ابنه المسمى توكلتي – ننورتا الأول حيث استمر في عهده تعاظم الدولة الآشورية. وبعد اغتياله وهو محاصر في قصره حل الضعف في المملكة الآشورية وتقلّصت حدودها لفترة دامت زهاء القرن الواحد. وفي هذه الفترة اشتد اندفاع القبائل الآرامية وضغطها على الآشوريين بحيث هددتهم في عقر دارهم, وشملت هذه الأخطار أيضا بلاد بابل حيث اتجهت اليها جملة قبائل من الآراميين. دامت هذه الفترة المظلمة زهاء 166 عاما وانتهت بمجيء الملك (أدد – نيراري) الثاني عم 911 ق.م الى الحكم وبداية العصر الآشوري الحديث.
أثّر الآراميون تأثيرا واسعا في تاريخ الشرق الأدنى, سواء كان ذلك في التركيب السكاني أم اللغوي والحضاري. ونشأت بينهم وبين أقوام حضارة وادي الرافدين صلات كثيرة أثرّت في كلا الجانبين تأثيرات قوية. ومن أشهر القبائل الآرامية هذه هي قبيلة (الأخلامو) و (سوخو) والقبيلة المسماة (كلدو) التي حلّت في بلاد بابل واشتهر من زعماء الآراميين في أواخر القرن السابع ق.م نبوبولاصر الذي كان حاكما على الأجزاء الجنوبية وتابعا للملك الآشوري آشور بانيبال وكذلك ابنه الشهير نبوخذ نصر الثاني.
وبعد أن ضيّق الملوك الآشوريين الخناق على الآراميين, أقام الآراميون في بلاد الشام جملة دويلات منها (آرام نهرين), ويقصد بالنهرين هنا الفرات والخابور, ودويلة (فدان) وكان مركزها في حرّان. وازدهرت اللغة الآرامية والثقافة الآرامية في هذه المنطقة كما اشتهرت في التوراة بكونها موطن الآباء العبرانيين الأوائل قبل ذهابهم الى فلسطين. كما أقاموا مملكة دمشق التي اشتهرت في أواخر القرن الحادي عشر ق.م في الفترة التي ظهرت مملكة العبرانيين في عهد شاؤول وداود, وقضى الآشوريون على دولة دمشق في عام 732 ق.م.
وتميّز الآراميون بنشاطهم التجاري الواسع, حيث كانت قوافلهم التجارية تجوب أنحاء الشرق ألأدنى, ويمكن القول أنهم احتكروا التجارة العالمية طوال عدة قرون. وكان من نتائج ذلك النشاط التجاري الواسع انتشار اللغة الآرامية, وساعدها في ذلك الأنتشار أنها دونت بحروف هجائية أخذها الآراميون من الفينيقيين, فأنتشرت لغتهم انتشارا واسعا عجيبا من دون أية سلطة سياسية.
وأصبحت الآرامية لغة تدوين ولغة الكلام الى جانب اللغات القديمة حتى في عهد الأمبراطورية الآشورية, ومن بعد ذلك في أرجاء الأمبراطورية الفارسية ألأخمينية من تخوم الهند الى بلاد الحبشة. كما صارت لغة السيد المسيح وأتباعه ودونت بها الأناجيل.
وفي العصر الآشوري الحديث الذي يبدأ بحكم الملك (أدد – نيراري) الثاني (911 – 891 ق.م) والذي دام زهاء ثلاثة قرون وانتهى بسقوط نينوى العام 612 ق.م تمكن الآشوريون من السيطرة على حياة الشرق الأدنى كله, وكوّنوا امبراطورية كبرى كانت أوسع ما مرّ بنا من الأمبراطوريات في تأريخ العراق وتأريخ الشرق القديم. فقط قضوا على الخطر الآرامي من جوار بلاد آشور نفسها, وقاموا بعدة غزوات بالأتجاهات الشمالية والشمالية الغربية والى الجهات الشرقية والشمالية الشرقية. أما في الجهة الجنوبية فأن بلاد بابل أصبحت في هذا العهد عاجزة ضعيفة, بحيث أدخلت تحت السيطرة المباشرة وغير المباشرة.
وقد خلف أدد – نيراري الثاني الملك توكلتي - ننورتا الثاني (890 – 884 ق.م) حيث بنى أسوار العاصمة آشور كما قام بتكرار الحملات العسكرية الى المستوطنات الآرامية, وفرض السلطان الآشوري على بلاد بابل. ثم جاء من بعده ملك ذو شخصية قوية حازمة وقاسية وهو الملك آشور ناصربال الثاني (883 – 859 ق.م) حيث حارب الحثيين في الشمال وضرب القبائل الجبلية في اقليم (زاموآ) اي منطقة السليمانية حاليا – واكتسح بعض الدويلات الآرامية في طريقه, ثم سار من كركميش الى سهل أنطاكية وعبر نهر العاصي وسار بمحاذاة جبال لبنان الى بحر الآموريين(البحر المتوسط), وتقبل من مدنهم الجزية ممثلة بالذهب والفضة والقصدير والنحاس وأنسجة الكتان ذات الألوان الزاهية والعاج والأخشاب النفيسة مثل الأبنوس والأرز. وأرسلت كلها الى العاصمة آشور. كما أعاد بناء المدينة القديمة كالح (نمرود حاليا) وأتخذها عاصمة عسكرية له نظرا لموقعها الأستراتيجي, لأنها محمية من الغرب بدجلة ومن الجنوب بالزاب الأعلى الذي يصب في دجلة بمسافة قصيرة جنوب نمرود.
وعند مجيء الملك شلمنصر الثالث (858 – 824 ق.م) الى الحكم وسّع من رقعة الأمبراطورية حيث وصلت فتوحاته أرمينية وجبال زاجروس وكيليكية في (آسية الصغرى), والى قلب جبال طوروس والى أبعد الأجزاء الجنوبية في منطقة الخليج. وفي عام 851 ق.م سارع في نجدة الملك البابلي (مردوخ– زاكر شومي) الذي كانت تهدده الدويلات الآرامية في الأجزاء الجنوبية من بلاد بابل, فدحر شلمنصر المعتدين ودخل مدينة بابل وقدّم القرابين لكبير آلهتها مردوخ في معبده المشهور (أي – ساكلا) وطارد فلول الآراميين من قبائل (الكلدو) ومنها تسمية الكلدانيين الى سواحل الخليج.
انتهى حكم شلمنصر الثالث بثورة داخلية في بلاد آشور تزعّمها أحد أبنائه المسمى (آشور – دانن – أبلى) وانحازت الى جانبه سبع وعشرون مدينة, من بينها مدن آشور ونينوى وأربيل وأرابخا (كركوك حاليا). وقد دامت هذه الثورة والحرب الأهلية التي نجمت عنها أربع سنوات, مات الملك الشيخ في أثنائها. فأعتلى العرش الآشوري ابنه (شمسي – أدد) في عام 824 ق.م. وقد سببت هذه الحرب الداخلية الضعف والوهن في المملكة, وحلّت فترة انكماش دامت زهاء الثمانين عاما, أي الى حكم تجلا تبليزر الثالث. ومن أسباب نشوب الحرب الأهلية هذه هو ظلم كبار الموظفين والنبلاء وحكام الأقاليم واستغلالهم السكان الأحرار ولا سيما الفلاحين والمزارعين.
وعندما تولى الملك الآشوري تجلا تبليزر الثالث (744 – 727 ق.م) الحكم استطاع أن يعيد المملكة الى سابق قوتها وكيانها, وقد مهّد لذلك بالقيام بأصلاحات واسعة في الجيش ونظام ادارة الدولة ولهذه الأسباب يعتبر حكم هذا الملك بداية عصر الأمبراطورية الآشورية الثانية (744 – 612 ق.م). وفي عهده جدد الملك البابلي نبو ناصر ولاءه لملك آشور. لكن بلاد بابل ثارت من جديد على السلطة الآشورية بزعامة أحد شيوخ الآراميين المسمى (أوكن – زير) فأرسل الملك تجلا تبليزر حملة عليها وقضى على حكم هذه السلالة. وتوّج نفسه ملكا على بابل سنة 729 ق.م. وغزا هذا الملك النواحي الشرقية من جبال زاجروس وأوغل في الأراضي الأيرانية وفي بلاد الميديين في منطقة جبال هماوند, كما وجه حملة الى بلاد الشام في عام 734 ق.م ففتح دمشق عنوة وأزال الدويلة الآرامية فيها من الوجود, كما ضمّ نصف مملكة اسرائيل الى الدولة الآشورية وعيّن (هوشع) ملكا على السامرة بصفته تابعا له.
*****
وخلفه على العرش الآشوري ابنه شلمنصر الخامس (726 – 722 ق.م) ولم يدم حكمه طويلا, اذ جاء من بعده الملك الشهير سرجون الثاني الذي أسس سلالة حاكمة كان حكمها أخر عهود التاريخ الآشوري. حكم سرجون 18 عاما. بدأ حكمه في اخماد بعض الأضطرابات التي ظهرت في بلاد آشور نفسها. ثم توجه بعد ذلك لصد العدوان الخارجي القادم من الدولة العيلامية والدولة المصرية والأرمنية. اذ تميّز حكمه بسلسلة متتابعة من الحملات الحربية لأخماد ثورات الأقاليم التابعة الى الدولة الآشورية. وقد نجح في سحق كل هذه الثورات, وفي عام 710 ق.م أصبح سرجون سيد الموقف من بعد انتصاراته في مختلف الميادين, وخضعت له بلاد الشام وأزال دولة اسرائيل القديمة من الوجود ونقل الكثير من اهلها أسرى وأسكنهم في بلاد ماذي. لم يستقر سرجون في عاصمة واحدة من العواصم الآشورية, فقد اتخذ في أول حكمه مدينة آشور مركزا للحكم ثم انتقل الى نينوى, بالأضافة الى العاصمة العسكرية (كالح), وفي عام 717 ق.م شرع في وضع أسس المدينة الجديدة التي سماها بأسمه أي (دور – شاروكين) التي تبعد نحو 15 ميلا شمال شرقي نينوى.
أن نهاية سرجون الثاني غير معروفة, ومن االمرجح أنه أغتيل. وقد خلفه في الحكم أبنه سنحاريب عام 704 ق.م. وفي زمانه ظهرت أقوام جديدة قدمت من ألأنحاء الجنوبية من روسيا, وهم (الكميريون)- كميرايي, حيث عبرت جبال القفقاس في نهاية القرن الثامن ق.م الى آسية الصغرى وبلاد الأناضول, كما حدث عصيان وتمرد على السلطة الآشورية في بلاد فينيقية وفلسطين وكان من بينها مملكة (يهوذا) في عهد ملكها حزقيا. لكن سنحاريب استطاع قمع هذه التمردات وضيّق الخناق على مملكة يهوذا وحاصر عاصمتها أورشليم, وقد أبى الملك حزقيا الخضوع والأستسلام بتحريض من النبي (أشعيا). ولا نعلم نتيجة هذا الحصار بالتفصيل (لكن التوراة تذكر أن ملاك الرّب خرج وضرب من جيش آشور مئة وخمسة وثمانين ألفا جاعلا منهم جثثا ميتة) , ولكن المرجح أن الجيش رفع الحصار عن المدينة المقدسة مقابل دفع جزية كبيرة من الذهب والفضة والنساء, من بينهن بنات الملك, وذلك حسب ما جاء في حوليات الملك سنحاريب.
وفي عام 703 ق. م قضى سنحاريب على جموع الثائر القديم مردوخ بلادان في بلاد بابل ولكن مردوخ هذا استطاع الأفلات من الأسر, فنصب سنحاريب احد اتباعه من البابليين المسمى (بيل – ابنى) الذي نشأ وتربى في نينوى ملكا على بابل.
ونجح سنحاريب في غزو المدن العيلامية الساحلية, ورجع يحمل الغنائم وأسلاب الحرب الكثيرة, ولكن هذه الضربة لم تقض على تجدد الأطماع العيلامية ببلاد بابل, حيث استمرت عيلام في تحريضها على العصيان, فثار البابليون من جديد في عام 689 ق.م وعندئذ صبّ سنحاريب جام غضبه على بلاد بابل فدمّر المدينة المقدسة (بابل) ودك حصونها وقصورها وسلّط ماء الفرات على أنقاضها. ولما ترك بلاد بابل عيّن ابنه أسرحدون واليا عليها بالنيابة عنه. ومن أعمال سنحاريب العمرانية أنه جعل من نينوى عاصمة تليق بالأمبراطورية الواسعة, فقد زينها باقامة المعابد والقصور الجديدة وغرس الحدائق الباسقة.
وتروي التوراة في سفر أشعياء أن سنحاريب أغتيل من قبل أثنين من أبنائه فيما هو ساجد في بيت نسروخ ألهه, ولكن المرجح أن حربا أهلية نشبت على أثر ذلك, الى أن استطاع ولي العهد أسرحدون (وهو أصغر أبناء سنحاريب) أخمادها. وأن ما يؤيد صحة هذا الترجيح, ما جاء في فاتحة حوليات أسرحدون نفسه, اذ يقول أن اتهامات أخوته ووشايتهم به أوغرت صدر أبيه عليه, بحيث أنه اضطر الى الهرب والأختفاء. ويروي أسرحدون بهذا الصدد عنهم أنهم صاروا من بعد ذلك (يناطح أحدهم الآخر كالتيوس لأخذ الملكية). ومهما كان الأمر فأنه تغلّب عليهم وأعتلى العرش الآشوري في عام 681 ق.م. وبعد ان استقامت له الأمور واستتبت أحوال المملكة, كانت فاتحة أعماله أعادة بناء مدينة بابل من بعد تدمير أبيه لها, ولعلّ دافعه في ذلك كان اعتقاده أن ما أصاب أباه كان بسبب غضب آلهة بابل لأنتهاك حرماتها. وقد ضمن أسرحدون بأعماله الحسنة تجاه بابل رضا البابليين وتقبلهم لحكمه. بعد ذلك وجه أسرحدون نشاطه الى الجبهتين الشمالية والشرقية حيث الكميريون المندفعون من جنوب روسيا عبر آسية الصغرى وايران وقد التحقت بهم جماعات أخرى من أقربائهم في السنوات الأولى من حكم أسرحدون وهم ( أشكوزيون) و(سكيثيون) . أن التقاء هؤلاء الأشكوزيين مع الكميريين جعل منهم قوة عظمى أخذت تهدد الولايات الآشورية وحامياتها في اقليم كيليكية وغيره في عام 679 ق.م, فأضطر الى اتباع سياسة المصالحة والتحالف مع تلك الأقوام, وقد أبرم معهم معاهدة سلم تزوج بموجبها أحد زعمائهم المسمى (بارتاتو) من أميرة آشورية. ان من الأنجازات الكبيرة لحكم أسرحدون هو غزو مصر وضمها الى الأمبراطورية الآشورية.
وقبل ان يتوفى أسرحدون في مدينة حرّان عام 669 ق.م بثلاثة أعوام اختار ابنه الأصغر آشور بانيبال لتولي العرش من بعده. وعيّن ابنه الأكبر (شمش – شم – اوكن) ملكا على عرش بلاد بابل. ويبدو أن ولي العهد المختار آشور بانيبال كان محبوبا مفضلا من جانب جدته لأبيه الآرامية الأصل واسمها (نقية زكوتو). وهكذا تبوأ آشور بانيبال عرش المملكة الآشورية (668 – 627 ق.م) وتولى أخوه شمش– شم – أوكن عرش بلاد بابل, واستقامت الأمور ما بين الأخوين طوال سبعة عشر عاما. ومن اولى أعمال هذا الملك هو اعادة فتح مصر. وما بين أعوام 665 – 655 ق.م تحالف الملك اشور بانيبال مع الأشكوزيين ( السكيثيين) ووقعت الحرب في بلاد عيلام واندحر فيها الملك العيلامي المسمى (تيومان) الذي قتل في المعركة وقطع رأسه وأخذ الى نينوى وعلّق فوق شجرة في الحدائق الملكية, وجاء هذا ممثلا في احدى المنحوتات من عهد الملك آشور بانيبال. بعدها نشبت في بلاد بابل ثورة عارمة قام بها أخو الملك نفسه, أي شمش – شم – أوكن, ولعل انشغال أخيه الملك في عدة جبهات أثارت أطماعه الكامنة بعد أن ظل مواليا له في الظاهر 17 عاما. وقد فاوض شمش بشكل سرّي للحصول على تحالف لمساعدته دخلت فيه بلاد فينيقية ومملكة يهوذا والكلدانيين الآراميين في الأجزاء الجنوبية من العراق والعيلاميين وحتى مصر, ولكن عيون الملك آشور بانيبال أكتشفت المؤامرة, فأنذر البابليين لردّهم الطاعة, ولمّا لم يأبه بأنذاره البابليون نشبت الحرب الطاحنة بين الأخوين. وظلّت المعارك تدوم زهاء ثلاثة أعوام. ولمّا أدرك أخوه شمش الموقف الميؤس منه أضرم النار في قصره في بابل وقضى نحبه محترقا وسط النيران عام 648 ق.م. وحاول آشور بانيبال تهدئة الأوضاع في بلاد بابل فعيّن أحد الزعماء الكلدانيين المسمى (قندلانو) نائبا عن الملك على عرش بابل. ووجهت حملة على ملك بلاد عيلام الذي وقف الى جانب أخيه ودامت هذه الحرب زمنا طويلا أنتهت بأنتصار الجيش الآشوري في عام 639 ق.م. فدمرت عيلام ونهبت العاصمة سوسة وانتهكت حرمة معابدها وحطمت تماثيل آلهتها ورميت بالنار.
في خضم الأضطرابات الداخلية والنكسات العسكرية التي مني بها استطاع الملك الميدي كي اخسار, الذي اتخذ من (أكبتانا) همذان حاليا عاصمة له, أن يكوّن من القبائل الميدية جيشا قويا ضخما ووسع مملكته من بحيرة أورمية الى منطقة طهران وبلاد فارس. وفي حدود ذلك الزمان استأنف البابليون محاولتهم لنيل الأستقلال عن التبعية الآشورية وتزعمهم هذه المرة الحاكم نبوبولاصر وهو كلداني أي آرامي الأصل, فهجم على الحامية الآشورية في مدينة نفر عام 626 ق.م ثم قصد بابل واستقل بعرشها وأخذ يصفي الحاميات الآشورية الأخرى في بابل. ولما مات الملك آشور بانيبال عام 626 ق.م خلفه على العرش ولديه الذين لم يستطيعا انقاذ الوضع المتدهور, اذ كانت العاصمة نينوى مهددة بالسقوط من قبل نبوبولاصر. كما أن الجيوش الميدية بلغت في زحفها في نهاية 615 ق.م الى منطقة كركوك, ثم مدينة آشور (قرب الشرقاط حاليا) التي سقطت بأيديهم في عام 614 ق.م. والتقى الملك البابلي بالملك الميدي عند أسوار مدينة آشور, وعقد ما بين الملكين تحالف ومعاهدة صداقة كان من نتائجها زواج ولي العهد البابلي نبوخذ نصر الشهير من ابنة الملك الميدي المسماة (أميتس). وزحف الجيشان نحو العاصمة نينوى القريبة. وكان الهجوم الأخير عام 612 ق.م قد قرر مصير الدولة الآشورية حيث سقطت العاصمة العظيمة – رغم ما أبداه المدافعون عنها من بسالة واستماتة في حصار دام طوال ثلاثة أشهر. وهكذا سقط هذا المارد الآشوري بعد أن دوّخ العالم القديم عدة قرون.
*****
الدولة الكلدانية (626 -539 ق.م)
دام هذا العصرزهاء القرن الواحد وكان آخر عهود بلاد بابل وهي دولة مستقلة, حيث تلته عهود صار فيها العراق ولاية تابعة, أولا الى الفرس الأخمينيين (539 – 331 ق.م) ثم الى السلوقيين المقدونيين, خلفاء الأسكندر الكبير (331 – 126 ق.م) ثم الفرس الفرثيين أو الأرشاقيين (126 ق.م – 227 ب.م) وأخيرا الفرس الساسانيين (227 – 637 ب.م).
يعتبر نبوبولاصر أول الملوك الكلدانيين في هذا العصر. ويبدو من مجريات الأحداث بعد سقوط نينوى, أن الميديين لم يضّموا بلاد آشور الى مملكتهم, بل اكتفوا بالأسلاب والغنائم فأنسحبوا الى بلادهم تاركين حليفهم نبوبلاصر وشأنه ليقتطع ما يستطيع اقتطاعه من أقاليم الأمبراطورية الآشورية. فاستولى على سورية وفلسطين نظرا لأهمية هذة المنطقة الحيوية لبلاد بابل, وليحول دون تغلغل الجيش المصري فيها. فقد سبق للفرعون المصري (نيخو الثاني) أن جاء على رأس جيش الى سورية لمساعدة حلفائه الآشوريين قبل أن تسقط دولتهم فأستولى عليها وبضمن ذلك دولة يهوذا في عهد ملكها (يوشيع) ثم استولى على كركميش والتي كانت تعتبر نقطة استراتيجية هي طريق نهر الفرات, الأمر الذي هدد الدولة البابلية تهديدا خطيرا. فأسرع الملك البابلي نبوبولاصر الى ارسال حملة عسكرية كبيرة وعهد بقيادتها الى أبنه وولي عهده نبوخذ نصر لطرد الجيش المصري, فباغته في عام 605 ق.م في كركميش وأوقع فيه الهزيمة. وبينما كان ولي العهد نبوخذ نصر يطارد فلول الجيش المصري الى داخل البلاد المصرية, وتقدّم الى حدود العريش, بلغته الأنباء بموت أبيه فأسرع بالعودة الى بابل ليتوّج ملكا عليها في 23 أيلول 604 ق.م. ودام حكمه 42 عاما (604 – 562) ق.م كانت من العهود المجيدة في تاريخ العراق القديم.
ولما رأى (يهوياكيم) ملك مملكة يهوذا الموالي للفرعون المصري نيخو الثاني انتصارات نبوخذ نصر في بلاد الشام أظهر له الطاعة وقدّم له الجزية, ولكنه نكث العهد بعد فترة بتحريض ملك مصر عام 598 ق.م على الرغم من نصائح النبي (أرميا) وانقطع عن دفع الجزية, فأسرع نبوخذ نصر بأرسال جيش الى مملكة يهوذا وحاصر أورشليم فأستسلمت له في عام 597 ق.م, وهلك ملكها يهوياكيم أثناء الحصار, وأسّر من اليهود 3000 أسير, ونصب نبوخذ نصر (صدقيا) ملكا على يهوذا, وكان هذا هو السبي الأول لليهود.
ان توطيد السلطة البابلية في بلاد الشام أصبح يشكل خطرا على مصالح مصر التجارية المعتمدة على الموانىء الفينيقية, فأعدّ ملك مصر المسمى (حوفرا) العدة لغزو فلسطين, فأستطاع أن يتولى على غزة كما أنّه ضيّق الخناق على صور وصيدا, فأسرع نبوخذ نصر بالتوجه على رأس جيشه الى بلاد الشام, وجعل من مدينة (ربلة) قرب حماة مقرا لقيادته ومنها كان يوجه العمليات الحربية. وفي هذه الأثناء كان ملك يهوذا (صدقيا) قد خلع ولاءه لملك بابل وأنحاز الى جانب الفرعون المصري, فضيّق نبوخذ نصر الحصار على أورشليم, فأستسلمت له من بعد 18 شهرا عام 586 ق.م. وقبض على صدقيا عند هروبه الى أريحا فأخذ هو وأولاده الى معسكر الملك البابلي في ربلة, وكان غضب الملك شديدا, فأمر بذبح أولاده أمام عينيه, ثم فقأت عيناه وأخذ مكبّلا مع الأسرى اليهود الذين قدّر عددهم بنحو 40000 أسير الى بابل, ودمّرت أورشليم ودكّت معالم هيكل سليمان, وهذا هو السبي البابلي الثاني لليهود الذين مكثوا في بلاد بابل الى زمن الدولة الفارسية الأخمينية حيث رجع بعضهم الى فلسطين.
...........................................الكاتب .د.شابا ايوب...........منقول من قبل ........سرياني اشوري كلداني..........المهم اننا شعب واحد

أضف رد جديد