هل كان برج بابل من عجائب ألدنيا ألسبع ؟

خاص بكل ما يتعلق بالسريان والسريانية
sonylanguage
قنشريني جديد
مشاركات: 10
اشترك في: الجمعة نوفمبر 23, 2007 2:17 pm
مكان: BABEL

مشاركة بواسطة sonylanguage » السبت ديسمبر 29, 2007 8:36 am

برج بابل
يثير برج بابل, واسمه البابلي (أتمناكي)، في مخيلة الكثير من الغربيين, وبتأثير الكتاب المقدس بعهده القديم, ذكريات تاريخية غابرة نسجت من الشواهد التاريخية الرافدينية, التي أضفيت إليها مسحة أسطورية لخدمة الأهداف اللاهوتية, بالإضافة إلى ما كتبه (هيرودوت) عندما زار بابل عام 460 ق.م.وشاهد برج بابل شاخصا, ولهذا السبب حاول العديد من الرحالة والبعثات الدبلوماسية والتبشيرية, منذ مئات السنين, عبثا العثور على موقع برج بابل الحقيقي. فقد اعتقد العديد منهم, كما أسلفنا, بأن زقورة «عكركوف» أو زقورة «برس ـ نمرود» هو برج بابل, بالرغم أن موقع مدينة بابل أو بالأصح بقاياها, كان معروفا منذ زمن طويل.

بدأت في مطلع القرن التاسع عشر حمى اقتناء الآثار والمعالم الحضارية, وخاصة الضخمة منها, التي تعود للحضارات القديمة وخاصة في مصر, كما بدأت البعثات الإنكليزية والفرنسية تنقب وبشكل محموم من أجل الحصول على تماثيل ضخمة في المواقع الأثرية في وادي الرافدين.وعندما اكتشفت إحدى البعثات الإنكليزية مكتبة العاهل الآشوري (آشوربانيبال) في نينوى ومن جملتها بعض الألواح الطينية المدونة فيها أجزاء من ملحمة «جلجامش» وإشارتها إلى أسطورة الطوفان السومرية الشهيرة المثبتة في التوراة, ارتفعت وبشدة حمى التنقيب والصراع بين المنقبين مصحوبة بأعمال النهب المكشوف والواسع وحتى التخريب والتدمير. قامت إحدى البعثات الإنكليزية بالتنقيب في مدينة بابل, وبشكل سطحي وغير علمي, في أواخر القرن التاسع عشر, وسرعان ما تركت الموقع. وضمن هذا التوجه المحموم أرسل قيصر ألمانيا بعثة تنقيب إلى العراق برئاسة المهندس المعماري (كولدوي).

بدأت البعثة الألمانية بالتنقيب في مدينة بابل في 26/3/1899 وخلال أسبوعين من العمل, اكتشفت أجزاء من بوابة عشتار, وبدأت (بابل), وبشكل متسارع, تكشف عن نفائسها الفخمة, والتي ظلت مطمورة تحت التراب لأكثر من ألفي عام.كان الكثير من الآجر المستخدم قد أصطبغ باللون الأحمر جراء الحرائق التي أشعلها الأعداء.

أرسى البر فسور (كولدوي) تقاليد علمية جديدة في علم التنقيب هدفها الدقة وتثبيت واقع الحال المكتشف وتسجيل أو رسم وأرشفة كل شيء, وأصبحت هذه التقاليد العلمية الرصينة مدرسة احتذى بها كافة المنقبين في وقت لاحق.

ساهمت بعثة التنقيب الألمانية كذلك, أسوة بباقي البعثات, بعملية النهب والسطو على أثار وشواخص حضارة وادي الرافدين, حيث نهبت, وبسرية بالغة, أجمل واعظم نصب معماري أنجزته الحضارة الرافدية, ألا وهو بوابة «عشتار» التي ترتفع 14 مترا بآجرها الرائع المزجج والملون, يتخلل واجهة جدارها نحوتات بارزة تصور أنواع الحيوانات الأسطورية التي ترمز إلى كبير الآلهة البابلية «مردوك». استغلت البعثة الألمانية غباء سلطات الاحتلال التركي وفسادها, وقامت بنقل البوابة وشارع الموكب إلى برلين خلسة, على شكل طرود بريدية قبل الحرب العالمية الأولى. (وهي معروضة الآن في متحف بركامون في العاصمة الألمانية).

برزت إحدى الصعوبات التي واجهتها البعثة الألمانية في مناسيب المياه الجوفية المرتفعة, وعندما تعطلت سدة الهندية في بداية عام 1913, والتي شيدت أكثر جدرانها من الآجر البابلي, استغلت البعثة هبوط منسوب المياه الجوفية بحدود 3.5 مترا للتنقيب المحموم عن أسس برج بابل التي كانت بعمق ثلاثة أمتار أسفل مستوى المياه الجوفية.

تبلغ أبعاد قاعدة زقورة (برج) بابل 91.66 مترا × 91.48 مترا, وتتوجه أضلاع قاعدتها باتجاه الجهات الأربعة تقريبا, وقد شيدت بالآجر اللبني على طبقة من الطين النقي الذي لا يسمح للماء بالنفاذ, كما عثر على خطافات من الخشب ترتبط داخل القاعدة من خلال تجاويف من جهة, وبطبقة الطين النقي من جهة أخرى, ومن الواضح أن هدفها شد القاعدة بإحكام إلى الأسس. غلفت القاعدة, التي ترتفع عموديا, بالآجر المفخور الذي يسير بشكل متعرج وفق مرتداتها المنتظمة. ترتبط القاعدة بسلم في الجهة الجنوبية بعرض 8.2 متر يحتوي على 56 درجة, ولازالت 18 درجة منها واضحة المعالم, كما توجد أثار جدران لقاعدة سلم في الجانب الجنوبي بعرض 10 أمتار وطول 50 مترا.

يتكون البرج من سبع طبقات, تقل مساحة الطابق كلما ارتفع, وتتكون الطبقة السابعة من المعبد المقدس وبأبعاد 24 × 22.5 مترا. تقام فيه, إثناء عيد السنة البابلية في نيسان من كل عام, طقوس الزواج المقدس الذي يشارك فيه كبير الكهنة , الذي يكون الملك في معظم الأحيان, مع كبيرة الكاهنات, وعلى ضوء إحدى الوثائق والتي تسمى لوح (أي ـ ساكلا), التي عثر عليها في (أور), وهي المصدر الأساس للمعلومات الدقيقة عن برج بابل, فأن المعبد المقدس يحتوي على غرف عديدة خصصت أكبرها لكبير الآلهة البابلية (مردوك) وغرف أخرى اصغر خصصت لبعض الآلهة الأقل شأنا, كما أشار اللوح الطيني إلى «بيت السرير» وحدد أبعاده بطول 4.5 متر وبعرض متران, كما يوجد عرش للملك بالقرب من السرير.

تتباين ارتفاعات طبقات برج بابل, وعلى ضوء الوثيقة المذكورة والتي ثبتت الأبعاد وفق المقاسات السومرية, وهي على شكل وحدات ثابتة من المقاسات تبلغ كل وحدة 6.1 متر, بهذا يكون ارتفاع كل طابق كالأتي:

الطبقة الأولى 33.55 مترا, الطبقة الثانية 18.30 مترا, الطبقة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة, كل منها على ارتفاع 6.10 مترا , الطبقة السابعة 15.25 مترا , وعلى هذا يصبح المجموع الكلي لارتفاع الزقورة 91.5 مترا. وفي ضوء ذلك يكون الارتفاع الكلي للزقورة مساويا لطول ضلع القاعدة المربعة.

شيد في الجزء الوسط من الزقورة, كما هو الحال في زقورة (أور), سلم رئيسي يرتفع إلى 40 مترا, بطول 60 مترا وعرض 9 أمتار, كما يوجد سلمان على الجانبين, يبلغ ارتفاع كل منهما 30 مترا وبعرض 9 أمتار كذلك. شيدت طبقات البرج من كتلة صلدة من الآجر اللبني, وغلفت قاعدته بالآجر المفخور, ويبلغ سمك التغليف 15 مترا. لم يتفق الأثريين, إلى اليوم , اتفاقا كاملا على تفاصيل السلالم العليا أو مسارها, فهناك العديد من النماذج المختلفة بهذا الشأن.

نستعير هنا النص الذي يصف فيه العاهل البابلي (نبوخذنصر) البرج, الذي له كامل الحق بالافتخار والاعتزاز به:

«أكملت أتمناكي (برج بابل المدرج), واستخدمت في تشييده الإسفلت والآجر المزجج باللون الأزرق الفاتح, وجعلته منيرا كالنهار, كما استخدمت, وبكثرة, أضخم أخشاب الأرز لتشييد سقوف غرفه».

عندما زار المؤرخ اليوناني (هيرودوت) بابل عبر في كتابه «التأريخ» عن إعجابه ودهشته لفخامة برجها, كان قد عدد 8 طبقات له, وهذا يتناقض مع وثيقة (لوح أي ـ ساكلا) التي أوردت تفاصيل دقيقة عن مساحات الطبقات وارتفاعاتها, ويعتقد الكثيرون بأنه أخطأ وعد المعبد المقدس في الطابق السابع بطبقتين, بسبب ارتفاعه الكبير عن الطوابق التي تحته. كما توجد وثيقة أخرى للعاهل الآشوري (أسرحدون) يتحدث فيها عن بنائه قاعدة لبرج بأبعاد تطابق تماما أبعاد قاعدة برج بابل, وذلك إثناء سيطرة الإمبراطورية الآشورية على بابل, قبل أن يحتلها العاهل الكلداني (نبوبلاصر), والذي كان أميرا للمنطقة البحرية في جنوب منطقة بابل, أبان السيطرة الآشورية, وتوج فيها عام 626 ق.م. الذي باشر بتشييد البرج, أو ربما الاستمرار في تشييده, ومن المعروف أن ابنه الملك (نبوخذنصر) الثاني 604 ـ 552 ق.م. قد أنجز بنائه. هناك اتفاق بين معظم الأثريين على ملاحظة البروفيسور (كولدوي) مكتشف البرج, بأن قاعدته قد شيدت في مرحلة أقدم من مرحلة طبقة الآجر المفخور التي غلفت به القاعدة.

بدأت عمارة الزقورة بالتطور, مرتفعة من مصطبة واحدة إلى ثلاث وخمس طبقات وأخيرا سبع طبقات كما في برج بابل. إن مجمل الدوافع الكامنة وراء هذا النزوح نحو الأعلى, ربما كان الاعتقاد اللاهوتي الرافدي, الذي كان يحاول الاقتراب اكثر نحو مجمع الآلهة في السماء, لإيجاد رابطة مباشرة بين الأرض والسماء, بين الإله ونائبه الملك, وهنا يكمن اختلاف جوهري مع المعتقدات المصرية القديمة, حيث كان المصريون يشيدون الأهرامات ويحنطون الموتى لتخليد موتاهم لاعتقادهم بعودة الروح (كا) إلى الميت ليحيى مرة ثانية ويمارس حياة تشبه حياته الأرضية. وهي عكس المعتقدات الدينية الرافدينية, التي تؤمن بحتمية الموت وعدم خلود الإنسان, كما تعتقد بأن العودة من مملكة الأموات غير ممكنة لغير الآلهة. هذه المعتقدات وجدت طريقها في نمط وهدف المعابد أو الزقورات, التي لم تشيد كقبور, أو لتهيئة الإنسان للحياة الأخرى, وإنما كواسطة اقتراب من الآلهة. شيدت الزقورات الشاهقة إلى جانب المعابد الواطئة, وهنا أيضا يوجد اختلاف جوهري في المعتقدات والأهداف بين المجمع المقدس الرافديني, وبين مجمع المسجد والمنارة الإسلامي , رغم بعض الآراء التي تدعي وجود علاقة لاهوتية, ربما هناك تأثير معماري بحت للزقورة على الشكل المعماري للمنارة, ويمكن مشاهدة هذا التأثير بوضوح في ملوية «سامراء», وهناك أمثلة عديدة في هذا المجال. شيدت المنارة الإسلامية بجانب المسجد بهدف دعوة المؤمنين, ومن مكان عال, إلى الصلاة والعبادة للإله الواحد وهذا يختلف تماما عن الأهداف المتوخاة من تشييد الزقورة الرافدينية.

استخدمت الزقورة في وقت متأخر كمرصد لمراقبة النجوم وتسجيل التغييرات الحاصلة في مساراتها مع محاولة التنبؤ بالحوادث وخاصة تلك التي تهم الملك.

وأخيرا لابد لنا من الإشارة إلى أن (الاسكندر المقدوني) عندما سيطر على عموم وادي الرافدين زار (بابل) في عام 331 ق.م. أي بعد مرور 130 عاما على زيارة (هيرودوت) والتي كانت آنذاك شامخة وتعج بالحياة, في حين وجدها (الاسكندر) وقد اندثرت معالمها الأساسية وتحولت إلى كتل من الأنقاض. وحسب مؤرخي سيرته, حاول جاهدا إعادة الحياة لها و تشييد برجها, فجند لها عشرة آلاف عامل لإزالة الأنقاض وتجميعها في الجوار (ويمكن اليوم مشاهدة تلال هذه الأنقاض التي تحيط بالمدينة القديمة), ولكنهم عجزوا عن إتمام المشروع وخاصة بعد موت (الاسكندر) المبكر, حيث وضع خلفائه حدا لهذه المحاولة. مات (الاسكندر) عام 323 ق.م. في (بابل) ودفن فيها. □



المصادر: طه باقر: الموجز في تأريخ حضارة وادي الرافدين

E.Klengel-Brandt: Der Turm von Babylon. Petra Eisele: Babylon

henri bedros kifa
قنشريني فعال
مشاركات: 179
اشترك في: الأربعاء فبراير 08, 2006 1:19 am

مشاركة بواسطة henri bedros kifa » الأربعاء يناير 30, 2008 9:03 pm

سلام و محبة إلى الأخ sonylanguage الموقر

شكرا لك على نشرك هذا النص للمؤرخ طه باقر ، بصراحة أنا
غير مطلع كثيرا على الكتب باللغة العربية . و كما تلاحظ أن المؤرخ
طه باقر لا يؤمن بوجود برج بابل الإسطوري ، قد يكون البرج الذي
بناه أجدادنا الكلدان الأراميون هو الذي دفع اليهود إلى ذكره
مع حكاية " بلبلة الألسنة " .
شكرا لك
هنري بدروس كيفا

أضف رد جديد